نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن رسول الله قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما

          1225- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسي (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو: ابن هُرمز الأعرج (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ ☺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ) أي: من ركعتين.
          (مِنَ) صلاة (الظُّهْرِ) وفي «مسند السَّرَّاج» من حديث ابن إسحاق عن الزُّهري: ((الظُّهر والعصر))، ومن حديث أبي معاوية عن يحيى مثله، ومن حديث سفيان عن الزُّهري: ((إحدى صلاتي العشي)).
          (لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا) أي: بين هاتين اللَّتين هما الرَّكعتان الأوليان، وبين الرَّكعتين الأخريين (فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ) أي: فرغ منها حقيقة بأن سلَّم، أو مجازاً بأن فرغ من التشهُّد المختوم بالصَّلاة على النَّبي صلعم كما هو مذهب الشَّافعي، وأمَّا عندنا فالفراغ على حقيقتهِ وإن لم يسلِّم كما سبق [خ¦1224]، فافهم.
          (سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) للسَّهو وجوباً وندباً كما مرَّ [خ¦1224]، وسجدهما النَّاس معه (ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ) وهذا الحديث نحو الحديث الأوَّل غير أنَّ مالكاً يروي فيه عن يحيى بن سعيد، وهنا يروي عن ابن شهاب وفيه زيادة، وفي أكثر النُّسخ هذا الحديث مذكور قبل الحديث الأوَّل.
          وممَّا يستفاد ظاهراً من هذين الحديثين المذكورين أنَّ سجود السَّهو قبل السَّلام مطلقاً / في الزِّيادة والنُّقصان، وهو الصَّحيح من مذهب الشَّافعي.
          وروي ذلك عن أبي هريرة ☺، وعن الزُّهري ومكحول وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والسَّائب القاري والأوزاعي واللَّيث بن سعد، وزعم أبو الخطَّاب أنَّها رواية عن أحمد بن حنبل.
          ولهم أحاديث أخر في ذلك منها ما رواه التِّرمذي وابن ماجه من حديث عبد الرَّحمن بن عوف ☺ قال: سمعت النَّبي صلعم يقول: ((إذا سها أحدُكم في صلاته)) الحديث وفيه: ((فليسجدْ سجدتين قبل أن يسلِّم)). وقال التِّرمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
          ومنها: ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد ☺ قال رسول الله صلعم : ((إذا شكَّ أحدكم في صلاته)) الحديث، وفيه: ((فليسجد سجدتين قبل أن يسلِّم)).
          ومنها: ما رواه النَّسائي من طريق ابن عجلان: أنَّ معاوية ☺ سها فسجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتمَّ الصَّلاة وقال: سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((من نسيَ شيئاً من صلاته فليسجد سجدتين مثل هاتين السَّجدتين)).
          ومنها: ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ☺ المخرَّج عند الستَّة، وفيه زيادة: ((فليسجدْ سجدتين قبل أن يسلِّم ثمَّ ليسلِّم)) [خ¦1232].
          ومنها: ما رواه الدَّارقطني من حديث ابن عبَّاس ☻ قال: قال رسول الله صلعم : ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاته)) الحديث. وفيه: ((فإذا فرغ فلم يبق إلَّا التَّسليم فليسجد سجدتين وهو جالس ثمَّ يسلِّم)).
          وذهب إمامنا أبو حنيفة وأصحابه والثَّوري ▓ إلى أنَّ السُّجود بعد السَّلام في الزِّيادة والنُّقصان، وهو يُروى عن عليِّ بن أبي طالب وسعد بن أبي وقَّاص وابن مسعود وعمَّار وابن عبَّاس وابن الزُّبير وأنس بن مالك ♥ ، وعن النَّخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري ▓.
          واحتجُّوا بحديث ذي اليدين المخرَّج في «الصَّحيحين»، وقد مرَّ فيما مضى وفيه: فأتمَّ رسول الله صلعم ما بقي من الصَّلاة، ثمَّ سجد سجدتين وهو جالسٌ بعد التَّسليم [خ¦1227]. واحتجُّوا أيضاً بأحاديث أخر.
          منها: ما رواه التِّرمذي من حديث الشَّعبي قال: صلَّى بنا المغيرة بن شعبة ☺، فنهضَ في الرَّكعتين فسبَّح به القوم وسبَّح بهم، فلمَّا صلَّى بقيَّة صلاته سلَّم، ثمَّ سجد سجدتي السَّهو، وهو جالس، ثمَّ حدثهم أنَّ رسول الله صلعم فعل بهم مثل الذي فعل.
          ومنها: ما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين: ((أنَّ رسول الله صلعم صلَّى العصر فسلَّم في ثلاث ركعاتٍ فقام رجل يقال له: الخرباق فذكر له صنيعه: / فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلَّى ركعة، ثمَّ سلَّم، ثمَّ سجدَ سجدتين، ثمَّ سلم)).
          ومنها: ما رواه الطَّبراني من حديث محمَّد بن صالح بن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاس ☻ قال: صلَّيت خلف أنس بن مالك ☺ صلاة فسها فيها فسجد بعد السَّلام، ثمَّ التفت إلينا وقال: أمَّا إنِّي لم أصنع إلَّا كما رأيت رسول الله صلعم يصنع.
          ومنها: ما رواه ابن سعد في «الطَّبقات» عن عطاء بن أبي رباح قال: صلَّيت مع عبد الله بن الزُّبير ☺ المغرب، فسلَّم في الرَّكعتين، ثمَّ قام يسبِّح به القوم، فصلَّى بهم الرَّكعة، ثمَّ سلَّم ثمَّ سجد سجدتين قال: فأتيت ابن عبَّاس من فوري فأخبرته فقال: لله أبوك.
          ومنها: ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث عبد الله بن جعفر: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((من شكَّ في صلاته، فليسجدْ سجدتين بعد ما يسلِّم)).
          ومنها: ما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد في «مسنده»، وعبد الرَّزَّاق في «مصنَّفه»، والطَّبراني في «معجمه» من حديث ثوبان عن النَّبي صلعم أنَّه قال: ((لكلِّ سهو سجدتان بعدما يسلِّم)).
          ومنها: ما رواه الطَّحاوي من حديث قتادة عن أنس ☺ في الرَّجل يهم في صلاته لا يدري أزاد أم نقص قال: يسجد سجدتين بعد السَّلام.
          فإن قيل: قال البيهقي في «المعرفة»: روي عن الزُّهري أنَّه ادَّعى نسخ السُّجود بعد السَّلام، وأسنده الشَّافعي عنه، ثمَّ أكَّده بحديث معاوية ☺ أنَّه صلعم سجدهما قبل السَّلام. رواه النَّسائي في «سننه» قال: وصحبة معاوية ☺ متأخِّرة.
          فالجواب: أنَّ قول الزُّهري منقطع، وهو غير حجَّة عندهم.
          وقال الطَّرطوشي: هذا لا يصحُّ عن الزُّهري، وفي إسناده أيضاً مطرف بن مازن قال يحيى: كذَّاب. وقال النَّسائي: غير ثقة. وقال ابن حبَّان: لا تجوز الرِّواية عنه إلَّا للاعتبار والاعتضاد.
          فإن قيل: قالوا: المراد بالسَّلام في الأحاديث التي جاءت بالسُّجود بعد السَّلام هو السَّلام على النَّبي صلعم في التشهُّد أو يكون تأخيرها على سبيل السَّهو.
          فالجواب: أنَّ ذلك بعيد جدًّا مع أنَّه معارَض بمثله، وهو أن يقال حديثهم قبل السَّلام يكون على سبيل السَّهو، ويحمل حديثهم على السَّلام المعهود الذي يخرج به عن الصَّلاة وهو سلام التَّحلل. ويبطل أيضاً حملهم على السَّلام الذي في التشهُّد أنَّ سجود السَّهو لا يكون إلَّا بعد التَّسليمتين اتفاقاً. / كذا قال العيني، وهو الذي ذكره السَّرخسي وغيره، وهو الصَّحيح كما في «الهداية».
          وقال: صدر الإسلام: السَّلام الواحد بدعة، كما في «النِّهاية». وأمَّا الجواب عن أحاديثهم فأمَّا حديث الباب وهو حديث ابن بُحينة فهو يخبر عن فعله صلعم ، وفي أحاديثنا ما يخبر عن قوله صلعم فالعمل بقوله أولى.
          على أنَّه قد تعارض فعلاه؛ لأنَّ في أحاديثهم أنَّه صلعم سجد للسَّهو قبل السَّلام، وفي أحاديثنا سجد بعد السَّلام، ففي مثل هذا المصير إلى قوله أولى، وقد يقال: إنَّ سجوده صلعم بعد السَّلام إنَّما كان لبيان الجواز لا لبيان المسنون.
          وقال بعض الشَّافعيَّة: وللشَّافعي قول آخر، وهو أن يتخيَّر إن شاء سجدَ قبل السَّلام، وإن شاء بعده، والخلاف في الإجزاء، وقيل في الأفضل. وادَّعى الماوردي اتِّفاق الفقهاء يعني جميع العلماء عليه.
          وقال صاحب «الذَّخيرة» للحنفيَّة: لو سجد قبل السَّلام جاز عندنا. قال القُدُوري: هذا في رواية الأصول قال: وروي عنهم أنَّه لا يجوز؛ لأنَّه أدَّاه قبل وقته، ووجه رواية الأصول أنَّه فعلٌ حَصَلَ في مجتَهد فيه فلا يحكَم بفساده، وهذا لو أمرناه بالإعادة يتكرَّر عليه السُّجود، ولم يقل به أحدٌ من العلماء.
          وذكر صاحب «الهداية»: أنَّ هذا الخلاف في الأولوية، وذكر ابن عبد البرِّ كلهم يقولون: لو سجد قبل السَّلام فيما يجب السُّجود بعده، أو بعده فيما يجب قبله لا يضر، وهو موافق لنقل الماوردي المذكور آنفاً.
          قال الحازمي: طريق الإنصاف أن يقول: أمَّا حديث الزُّهري الذي فيه دلالة على النَّسخ ففيه انقطاع فلا يقع معارضاً للأحاديث الثَّابتة، وأمَّا بقية الأحاديث في السُّجود قبل السَّلام وبعده قولاً وفعلاً فهي وإن كانت ثابتة صحيحةٌ، وفيها نوع تعارض غير أنَّ تقديم بعضها على بعض غير معلوم رواية صحيحة موصولة، والأشبه حمل الأحاديث على التوسُّع وجواز الأمرين، انتهى.
          وأمَّا حديث أبي سعيد ☺: فإنَّ مسلماً أخرجه منفرداً به، ورواه مالك مرسلاً. فإن قيل: قال الدَّارقطني: القول لمن وصله، قلت: قال البيهقي: الأصل الإرسال.
          وأمَّا حديث معاوية ☺: فإنَّ النَّسائي أخرجه من حديث ابن عجلان عن محمَّد بن يوسف مولى عثمان، عن أبيه، عنه. ثمَّ قال: ويوسف ليس بمشهور. وأمَّا حديث أبي هريرة ☺ فهو منسوخٌ.
          وأمَّا حديث ابن عبَّاس ☻ فإنَّه من حديث ابن إسحاق عن مكحول، عن كريب، عن ابن عبَّاس ☻ . /
          ورواه أبو علي الطوسي في «الأحكام» عن يعقوب بن إبراهيم: حدَّثنا ابن عُلَيَّة: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق: حدَّثني مكحول: أنَّ رسول الله صلعم قال. فذكره.
          وقال الدَّارقطني: رواه حمَّاد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن مكحول مرسلاً. ورواه ابن عُليَّة وعبد الله بن نُمير والمحاربي عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلاً. ووَصْلُه يرجع إلى الحسين بن عبد الله وإسماعيل بن مسلم وكلاهما ضعيفان. وأمَّا حديث ابن مسعود ☺ فإنَّ أبا عبيدة رواه عن أبيه ولم يسمع منه. وهنا ثلاثة مذاهب:
          الأوَّل: مذهب المالكيَّة، فإنَّ عندهم إن كان للنقصان فقبل السَّلام، وإن كان للزِّيادة فبعد السَّلام، وهو قول الشَّافعي أيضاً.
          والثَّاني: مذهب الحنابلة أنَّه يسجد قبل السَّلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلعم قبل السَّلام، وبعد السَّلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلعم بعد السَّلام، وما كان من السُّجود في غير تلك المواضع يسجدُ له أبداً قبل السَّلام.
          الثَّالث: مذهب الظاهريَّة أنَّه لا يسجد للسَّهو إلَّا في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلعم فقط، وغير ذلك إن كان فرضاً أتى به، وإن كان ندباً فليس عليه شيء. والمواضع التي سجد فيها رسول الله صلعم خمسة:
          أحدها: قام من ثنتين على ما جاء به في حديث ابن بُحينة [خ¦1224].
          والثَّاني: سلَّم من اثنتين، كما جاء في حديث ذي اليدين [خ¦1227].
          والثَّالث: سلَّم من ثلاث، كما جاء في حديث عمران بن حصين.
          والرَّابع: أنَّه صلَّى خمساً، كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود [خ¦1226].
          والخامس: السُّجود على الشكِّ، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري ♥ أجمعين.
          وممَّا يُستفاد من الحديثين المذكورين في الباب أيضاً سنيَّة التشهُّد الأوَّل، والجلوس له إذ لو كانا واجبين لما جبرا بالسُّجود كالرُّكوع وغيره، وبه قال مالك والشَّافعي وأبو حنيفة، كذا نقل صاحب «التَّوضيح» عن أبي حنيفة، فإن كان مراده من السنَّة: السنَّة المؤكَّدة يصحُّ النقل عنه؛ لأنَّ السنة المؤكَّدة في قوَّة الواجب، كذا قال العيني.
          وفي «المحيط» قال الكرخي والطَّحاوي وبعض المتأخِّرين: القعدة الأولى واجبة، وقراءة التشهُّد فيها سنَّة عند بعض المشايخ وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة وهو الأصح، وقراءة التشهُّد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتِّفاق، وممَّا يستفاد أيضاً أنَّ التَّكبير مشروع لسجود السَّهو وهو بالإجماع، وكذا الجهر به.
          وفي «التَّوضيح»: مذهبنا أنَّ تكبيرات الصَّلاة كلَّها سنَّة غير تكبيرة الإحرام، فهي ركنٌ / وهو قول أكثر أهل العلم، وأبو حنيفة ☼ يسمِّي تكبيرة الإحرام واجبة. وفي رواية عن أحمد والظَّاهرية أن كلَّها واجبة، انتهى.
          قال العينيُّ: مذهب أبي حنيفة أنَّ تكبير الإحرام فرض، ونحن نفرِّق بين الفرض والواجب، ولكنه شرط عندنا، وركن عند الشَّافعية كما عرف في موضعه. وهل يتشهَّد في سجود السَّهو أو لا؟ مذهب الحنفيَّة أنَّه يتشهد، وعند الشَّافعية في الصَّحيح لا يتشهَّد كما في سجود التَّلاوة والجنازة.
          وقال ابنُ قدامة: إن كان قبل السَّلام سلَّم عقب التَّكبير، وإن كان بعده يتشهَّد ويسلِّم قال: وبه قال ابن مسعود ☺ وقتادة والنَّخعي والحكم وحمَّاد والثَّوري والأوزاعي والشَّافعي. وعن النَّخعي يتشهَّد ولا يسلِّم. وعن أنس ☺ والشَّعبي والحسن وعطاء ليس فيهما تشهُّد ولا تسليم.
          وعن سعد بن أبي وقَّاص وعمَّار ☻ وابن أبي ليلى وابن سيرين وابن المنذر فيهما تسليم بغير تشهُّد. وقال ابنُ المنذر: التَّسليم فيهما ثابتٌ من غير وجه، وفي ثبوت التشهُّد نظر.
          وقال أبو عمر: لا أحفظُه مرفوعاً من وجه صحيحٍ إن شاء يتشهَّد ويسلِّم، وإن شاء لم يفعل. وعند الحنفيَّة يسلِّم ثنتين عن يمينه وشماله كما مرَّ، وبه قال الثَّوري وأحمد.
          وفي «المحيط»: ينبغي أن يسلِّم واحدة عن يمينه، وهو قول الكرخي، وبه قال النَّخعي كالجنازة.
          وفي «البدائع» يسلِّم من تلقاء وجههِ فهما روايتان عن مالك، ثمَّ إنَّه لا يتكرر السُّجود بتكرر السَّهو، فإنَّه صلعم لمَّا ترك التشهُّد الأوَّل والجلوس له اكتفى بسجدتين، وهو قول أكثر أهل العلم. وعن الأوزاعيِّ إذا سهى عن شيئين مختلفين تكرَّر ويسجد أربعاً.
          وقال ابنُ أبي ليلى: يتكرَّر السُّجود بتكرر السَّهو. وقال ابنُ أبي حازم وعبد العزيز بن أبي سلمة: إذا كان عليه سهوان في صلاةٍ واحدةٍ منه ما يسجد له قبل السَّلام، ومنه ما يسجدُ له بعد السَّلام فليفعلهما، ثمَّ إن سجود السَّهو في الفرض والتَّطوع سواء.
          وقال ابنُ سيرين وقتادة: لا سجود في التطوُّع، وهو قول غريبٌ ضعيفٌ للشَّافعي. ثمَّ إن متابعة الإمام عند القيام من هذا الجلوس _ذكر في «التَّوضيح» أنَّه_ واجب، وقد وقع كذلك في الحديث، ويجوز أن يكونوا علموا حكم هذه الحادثة أو لم يعلموا فسبَّحوا، فأشار إليهم أن يقوموا، ثمَّ إنَّ من سها في سجدتي السَّهو لا سجود عليه له، قاله النَّخعي والحكم وحمَّاد والمغيرة وابن أبي ليلى والحسن.
          ثمَّ إنَّه واجبٌ عند أبي حنيفة ☼ لوجود الأمر به / في غير حديث كقوله صلعم في حديث أبي هريرة ☺ المتَّفق عليه: ((فإذا وجد ذلك أحدُكم فليسجدْ سجدتين)) [خ¦1232]. وذهب الشَّافعي إلى أنَّ سجود السَّهو سنَّة يجوز تركه، والحديث حجَّة عليه.
          وقال ابن شبرمة في رجلٍ نسي سجدتي السَّهو حتَّى يخرج من المسجد قال: يعيد الصَّلاة. فإن قيل: روى الطَّبراني من حديث ابن عمر ☻ أنَّ النَّبي صلعم لم يسجدْ يوم ذي اليدين.
          فالجواب: أنَّ في إسناده عبد الله بن عمر العُمري، وهو مختلفٌ في الاحتجاج به، ولئن سلَّمنا صحَّته فإنه لا يقاوم حديث أبي هريرة ☺.
          وممَّا يستفاد منهما أيضاً: أنَّ المشروع في سجود السَّهو سجدتان، فلو اقتصر على واحدة ساهياً أو عامداً ليس عليه شيء.
          وذكر الحافظ العسقلاني: أنَّه لو تركها عامداً بطلتْ صلاته؛ لأنَّه تعمَّد الإتيان بسجدةٍ زائدة ليست مشروعة، وفيه أنَّه كيف تبطل الصَّلاة إذا زاد فيه شيئاً من جنسها.
          ثمَّ إنَّ المأموم يسجدُ مع الإمام سجدتي السَّهو إذا سها الإمام، وإن سها المأموم لا يلزمه ولا الإمام. وفي «مبسوط» أبي اليسر: ويسجدُ المسبوق مع الإمام للسَّهو سواء أدركه في القعدة أو في وسط الصَّلاة. وممَّا يستفاد منهما أيضاً: أنَّ السَّهو جائز على الأنبياء ╫ فيما طريقه التَّشريع، وأنَّ محل سجدتي السَّهو آخر الصَّلاة، والله أعلم.