إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم

          6495- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين قالَ: (حَدَّثَنَا المَاجِشُونُ) بكسر الجيم وضم الشين المعجمة‼ ورفع النون، عبد العزيز بن عبد الله (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) هو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن أبي صعصعة (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) ولأبي الوقت زيادة: ”الخدريِّ“ (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ الغَنَمُ) فيه حذف تقديره: يكون فيه خير... إلى آخره، وسقط لفظ «الرَّجل» لأبي ذرٍّ (يَتْبَعُ) بسكون الفوقية (بِهَا) بالغنم (شَعَفَ الجِبَالِ) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها فاء، رؤوس الجبال (وَمَوَاقِعَ القَطْرِ) بطون الأودية؛ إذ هُما أماكن الرَّعي (يَفِرُّ بِدِينِهِ) بسبب دينه (مِنَ الفِتَنِ) وفي قوله: «يأتي على النَّاس زمانٌ...» إلى آخره إشارةٌ إلى أنَّ خيريَّة العزلة تكون(1) في آخر الزَّمان، أمَّا زمنه صلعم فكان الجهاد فيه مطلوبًا، وأمَّا بعده فيختلفُ(2) باختلافِ الأحوالِ، كما يأتي ذِكره _إن شاء الله تعالى_ بعون الله في «كتاب الفتن» [خ¦7088]، وقد قال أبو القاسم القشيريُّ ☼ : الخَلوة صفة أهل الصَّفوة، والعُزْلة من أماراتِ الوصلة، ولابدَّ للمريدِ _في ابتداءِ حاله من العزلةِ عن أبناءِ جنسهِ، ثمَّ في نهايتهِ_ من الخَلوة لتحقُّقه بأُنسه(3)، ومن حقِّ العبدِ إذا آثر العزلةَ أن يعتقدَ باعتزالهِ عن الخلق سلامة النَّاس من شرِّه. انتهى.
          وفي العزلةِ فوائد: التَّفرُّغ للعبادة وانقطاع طمع النَّاس عنه وعَتبهم عليه، والخَلاص من مشاهدةِ الثُّقلاء والحَمْقى، ويحصلُ بالمخالطةِ غالبًا الغيبة والرِّياء والمخاصمة وسرقة طبع(4) الرَّذائلَ. قال الجنيد: مُكابدة العزلةِ أيسرُ من مداراةِ(5) الخلطة. انتهى. وإنَّما كان ذلك؛ لأنَّ مُكابدة العزلة اشتغالٌ بالنَّفس خاصَّة وردٌّ لها(6) عمَّا تشتهيهِ، بخلاف مُدَاراة الخلطة(7) بالنَّاس مع اختلاف أخلاقهِم وشهواتهم وأغراضِهم، وما يبدو منهم من الأذى وما يحتاج إليه من الحلم والصَّفح. نعم قد تجبُ الخلطة لتحصيلِ علمٍ أو عملٍ.


[1] في (ص) و(ع): «يكون».
[2] في (ب) و(س): «فتختلف».
[3] في (ص): «لأنسه».
[4] في غير (د): «الطَّبع».
[5] في (د): «مكابدة».
[6] في (ل): «وردعها».
[7] قوله: «وإنَّما كان ذلك... بخلاف مُدَاراة الخلطة»: ليس في (ص).