إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر

          6492- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة بعدها تحتية مشددة، ابن ميمونٍ الأزديُّ (عَنْ غَيْلَانَ) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية بوزن عجلان. قال في «المقدِّمة»: هو ابنُ جريرٍ. وقال في «الفتح»: هو ابن جامعٍ، والسَّند كلُّه بصريُّون. انتهى.
          وما في «المقدِّمة» هو الصَّواب، فإنَّ ابن جامعٍ وهو المحاربيُّ كوفيٌّ قاضيها، يروي عن قتادةَ وسماك وابن جريرٍ، وهو الأزديُّ المِعْوَليُّ بصريٌّ، يروي (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ) بلام التَّأكيد (أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ) بفتح الهمزة والدال المهملة وتشديد القاف، أفعلُ تفضيل من الدِّقة، بكسر الدال المهملة(1)، أي: أحقرُ وأهونُ (فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ) بفتح المعجمة والمهملة (إِنْ كُنَّا نَعُدُّ) «إن» مخفَّفة من الثَّقيلة، وحذف الضَّمير من «نعدُّ» واللام، وهو رواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي. قال ابن مالكٍ(2): جاز استعمال «إن» المخفَّفة بدون اللَّام الفارقة بينها وبين النَّافية(3) عند الأمن‼ من الالتباس، وللكُشميهنيِّ: ”نعدُّها“ أي: الأعمال، ولغيرهِ كما قال في «الفتح»: إنَّه للأكثر: ”لنعدُّها“ (عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ) أي: زمنه وأيَّامه، ولأبي ذرٍّ: ”على عهدِ رسولِ الله“ ( صلعم المُوبِقَاتِ) بموحدةٍ وقاف، وللكُشميهنيِّ: ”من الموبقات“.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (يَعْنِي بِذَلِكَ) أي: بالموبقات (المُهْلِكَاتِ) بكسر اللام، وسقط لفظ «بذلك» لأبي ذرٍّ. قال الكِرمانيُّ: ومعنى الحديث راجعٌ إلى قوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ}[النور:15]. انتهى.
          وقد جزعَ بعضُهم عند الموت، فقيل له في ذلك فقال: إنِّي(4) أخافَ ذنبًا لم يكن منِّي على بالٍ وهو عندَ الله عظيمٌ، وعن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ: «إنَّ الرَّجل ليعمل الحسنة فيثقُ(5) بها، وينسى المحقَّرات، فيلقى الله وقد أحاطتْ به، وإنَّ الرَّجل ليعمل السَّيِّئة فلا يزالُ منها مشفقًا حتَّى يلقى الله آمنًا»، أخرجه أسدُ بن موسى في «الزُّهد».


[1] «المهملة»: ليست في (س).
[2] في (ع): «بطال».
[3] في (ص): «النَّاقصة».
[4] «إنِّي»: ليست في (ص) و(ع).
[5] في (ع): «فيشفق».