إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أصدق بيت قاله الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل

          6489- وبه قال‼: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) بن عُبيدٍ العنَزيُّ _بفتح النون بعدها زاي_ البصريُّ المعروف بالزَّمِن قال: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) محمَّد بن جعفر البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) بضم العين مصغَّرًا (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ) لبيدُ بن ربيعة العامريُّ، ثمَّ الكلابيُّ، ثمَّ الجعفريُّ، يُكنى أبا عقيلٍ، ذكره البخاريُّ وابن أبي خيثمة وغيرهما في الصَّحابة، سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان، وعاش مئةً وخمسين سنةً، وقيل: أكثر (أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ) أي: ما عداه تعالى وعدا صفاته الذَّاتيَّة والفعليَّة / (بَاطِلُ) أي: هالكٌ، وكلُّ شيءٍ سوى الله جائزٌ عليه الفناء، وإن خُلق فيه البقاء بعد ذلك كالجنَّة والنَّار، وأَطلقَ البيت وأرادَ به البعض، فإنَّ الَّذي ذكره هنا نصفه، وهو المصراع الأوَّل، أو المراد هو ومصراعه الآخر، وهو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     وكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَة زَائِلُ
وفي رواية شريكٍ _عند مسلمٍ_: «أشعرُ كلمةٍ تكلَّمت بها العرب».
          ومطابقة الحديثِ للتَّرجمة من حيث إنَّ كلَّ شيءٍ(1) ما خلا الله في الدُّنيا الَّذي لا يؤولُ إلى طاعة الله، ولا يقرب منه، إذا كان باطلًا، يكون الاشتغالُ به مبعدًا من الجنَّة مع كونهَا أقرب إليه من شراك نعلهِ، والاشتغالُ بالأمورِ الَّتي هي داخلةٌ في أمرِ الله تعالى يكون مبعدًا من النَّار مع كونها أقرب إليه من شراكِ نعلِه، قاله في «عمدة القاري»، وقال: إنَّه من الفيض الإلهيِّ الَّذي وقع في خاطره.
          وقال في «فتح الباري»: مناسبةُ الحديث الثَّاني للتَّرجمة خفيَّةٌ، وكأنَّ التَّرجمة لمَّا تضمَّنتْ ما في الحديثِ الأوَّل من التَّحريض على الطَّاعة ولو قَلَّتْ، والزَّجر عن المعصيةِ ولو قَلَّتْ، تضمَّنت(2) أنَّ مَن خالف ذلك إنَّما يخالفه لرغبةٍ في أمرٍ من أمور الدُّنيا، وكلُّ ما في الدُّنيا باطلٌ، كما صرَّح به الحديث الثَّاني، فلا ينبغِي للعاقل أن يؤثرَ الفاني على الباقِي.
          والحديث سبق في «أيَّام الجاهليَّة» [خ¦3841].


[1] «شيء»: ليست في (ع).
[2] «تضمَّنت»: ليست في (ع) و(ص).