إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب

          6472- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ) هو كما قال الحافظُ ابن حجرٍ: ابن منصور. قال: وغلطَ من قال: إنَّه ابنُ إبراهيم قال: (حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بفتح الراء في الأوَّل، وضم العين وتخفيف الموحدة في الثَّاني، القيسيُّ الحافظُ البصريُّ(1)‼ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، السُّلميَّ الكوفيَّ (قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) زاد في «الطِّبِّ» [خ¦5705] «ثمَّ دخل ولم يبيِّن لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الَّذين آمنَّا بالله واتَّبعنا رسوله، فنحن هم وأولادنا(2) الَّذين ولدوا في الإسلامِ، فإنَّا وُلدنا في الجاهليَّة، فبلغ النَّبيُّ صلعم فخرج» فقال: (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ) بسكون الراء، أي: لا يسترقونَ مُطلقًا، أو لا يسترقون برُقى الجاهليَّة (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) ولا يتشاءمونَ بالطُّيور ونحوها كعادتهم قبلَ الإسلام (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) يفوِّضونَ إليه، والتَّوكُّل هو الاعتمادُ على الله تعالى وقطع النَّظر عن الأسبابِ مع تهيئتها، ولهذا قال صلعم : «اعقِلْ وتوكَّلْ» ويقال(3): هو كِلَة الأمر كلِّه إلى مالكهِ، والتَّعويل على وكالتهِ؛ يعني: عملًا بقوله تعالى: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}[المزمل:9] وهو فرضٌ على المكلَّف، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[المائدة:23] وقضيَّة هذا أنَّ التَّوكُّل من لوازمِ الإيمان، فينتفِي بانتفائه؛ إذ الإيمانُ هو التَّوحيد، ومن اعتمدَ على غيرِ الله لم يوحِّده بالحقيقةِ وإن وحَّده باللِّسان، وليس المراد من التَّوكل ترك التَّسبُّب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين؛ لأنَّ ذلك قد يَجرُّ إلى ضدِّ ما يُراد من التَّوكُّل، وقد كان الصَّحابة يتَّجرون ويعملونَ في نخيلِهم وهم القُدوة وبهم الأسوةُ.
          والحديثُ سبق في «الطِّبِّ» مطوَّلًا(4) [خ¦5705] وفي «أحاديث الأنبياء» مختصرًا [خ¦3410].


[1] في (د): «البصري الحافظ».
[2] في (ل): «أو أولادنا».
[3] في (ص): «فيل».
[4] في (د): «موصولًا».