إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبًا

          6444- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ) البُوْرَانيُّ _بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الراء بعد الألف نون_ البجليُّ، أبو علي الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) سلَّام _بتشديد اللام_ ابن سُلَيم (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان (عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ) الجهنيِّ، أنَّه (قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ) جندبُ ابن جنادة الغفاريُّ ☺ : (كُنْتُ أَمْشِي‼ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَنَا) بفتح اللام (أُحُدٌ) الجبلُ المعروف (فَقَالَ) صلعم : (يَا أَبَا ذَرٍّ. قُلْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”فقلتُ“: (لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ) بالتَّشديد، ليلةٌ (ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ) الواو للحال (إِلَّا شَيْئًا) استثناء من دينار، ولأبي ذرٍّ: ”شيءٌ“ بالرفع (أَُرْصُـِدُهُ) بفتح الهمزة وضم الصاد، أو بضم الهمزة وكسر الصاد، أعدّهُ أو أحفظهُ (لِدَيْنٍ) بفتح الدال المهملة، صاحبه غير حاضرٍ فيأخذه إذا حضرَ، أو لوفاء دينٍ مُؤجَّلٍ إذا حلَّ وفيته، وللحَمُّويي والمُستملي: ”لدَيني“ (إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ) استثناءٌ بعد استثناء، فيفيدُ الإثبات فيؤخذُ منه أنَّ نفي محبَّة المال مقيَّدةٌ(1) بعدم الإنفاق، فيلزم محبَّة وجودهِ مع الإنفاق، فما دامَ الإنفاقُ مستمرًّا لا يكره وجودُ المال، وإذا انتفَى الإنفاقُ ثبتتْ كراهيةُ وجود المال، ولا يلزمُ كراهية حصول شيءٍ آخر، ولو كان قَدْر أُحدٍ أو(2) أكثر مع استمرار الإنفاق. قاله في «الفتح». وقوله: «أقول به» أي: أصرفه وأُنفقه (فِي عِبَادِ اللهِ) ╡ (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) بالتَّكرار ثلاثًا صفةٌ لمصدرٍ محذوف، أي: أشارَ إشارةً مثل هذه الإشارة (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) اقتصرَ على هذه الثَّلاثة، وحُمل على المبالغة؛ لأنَّ العطيَّة لمن بين يديهِ هي(3) الأصل، وفي الجزء الثَّالث من «البشرانيات» من رواية أحمد بنِ ملاعب، عن عمر بنِ حفص بنِ غياث، عن أبيه: «إلَّا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا (4)» وأرانا(5) بيده، فكرَّر لفظ «هكذا» أربعًا، فعمَّ الجهات الأربع (ثُمَّ مَشَى فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”ثمَّ قال“ (إِنَّ الأَكْثَرِينَ) مالًا (هُمُ الأَقَلُّونَ) ثوابًا (يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا مَنْ قَالَ) صرف المال في مصرفهِ (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ) وقيل: المرادُ بالأخير: الوصيَّة(6)، وقيل: ليس قيدًا فيه، بل قد يقصدُ الصَّحيحُ الإخفاءَ، فيدفع لمن وراءهُ مالًا يعطي به من هو أمامَه (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) «ما» زائدةٌ مؤكِّدة للقلَّة، أو موصوفةٌ، ولفظ: «قليلٌ» هو الخبر، و«هم» مبتدأ، أو(7) قُدّم الخبر للمبالغةِ في الاختصاصِ (ثُمَّ قَالَ) صلعم : (لِي) الزم (مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ) تأكيدٌ (حَتَّى آتِيَكَ) غايةٌ للزوم المكانِ المذكور (ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى) غابَ شخصهُ الشَّريف عنِّي (فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ) ولأبي ذرٍّ: ”أن يكون أحدٌ عرض“ (لِلنَّبِيِّ صلعم ) بسوءٍ (فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي(8): لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ. فَلَمْ أَبْرَحْ) من مكانِي (حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ) عليك (فَذَكَرْتُ لَهُ) ذلك (فَقَالَ) صلعم (وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ) يا رسول الله (قَالَ: ذَاكَ) الَّذي سمعتَهُ يخاطبني هو (جِبْرِيلُ‼، أَتَانِي / فَقَالَ) لي: (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ) ╡ (شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ) هو جواب الشَّرط (قُلْتُ): يا جبريل (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) يدخل الجنَّة؟ (قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) يدخلها، أي: إذا تابَ عند الموتِ، كما حمله المؤلِّف فيما مضى في «اللِّباس» [خ¦5827] وحمله غيره على أنَّ المُراد بدخول الجنَّة أعمُّ من أن يكون ابتداءً، أو بعد المجازاةِ على المعصية للجمع بين الأدلَّة، وفيه ردٌّ على من زعمَ من الخوارج والمُعتزلة أنَّ صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبةٍ يخلَّد في النَّار، ولم يتكرَّر هنا قوله: «وإن زنى وإن سرق» كما تكرَّر في الرِّواية السَّابقة في الباب قبل هذا [خ¦6443] واقتصر على هاتين الكبيرتين؛ لأنَّهما كالمثالين فيما يتعلَّق بحقِّ الله وحقِّ العباد، وأشار في الرِّواية السَّابقة في الباب الَّذي قبل هذا بقوله: «وإن شربَ الخمرَ» إلى فُحشه؛ لأنَّه يؤدي إلى خللٍ في العقلِ الَّذي شُرِّف به الإنسانُ على البهائمِ.


[1] في (د): «مقيد».
[2] في (د) و(ص) و(ع): «و».
[3] في (د): «وهو».
[4] «وهكذا»: ليست في (د).
[5] في (ل): «وأرنا».
[6] في (ع): «الوصفيَّة».
[7] في (د): «و».
[8] «لي»: ليست في (ص).