إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين

          6433- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ) بسكون العين، الطَّلْحِيُّ مولاهم الكوفيُّ المعروف بالضَّخم قال: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بالشين المعجمة، ابن عبد الرَّحمن أبو معاوية النَّحْويُّ (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارثِ (القُرَشِيِّ، قال: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عثمانَ التَّيميُّ(1) (أَنَّ ابْنَ أَبَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”أنَّ حُمْران بن أبان“ _بضم الحاء المهملة وسكون الميم_ مولى عُثمان بن عفَّان اشتراهُ في زمنِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق (أَخْبَرَهُ) أي: أخبر معاذ بن عبد الرَّحمن (قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”(2)عُثمان بن عفَّان ☺ “ (بِطَهُورٍ) بفتح الطاء، بماء يُتطهَّر به (وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى المَقَاعِدِ) موضعٌ بالمدينةِ (فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم تَوَضَّأَ) بلفظ الماضي، ولأبي ذرٍّ: ”يتوضأ“ (وَهْوَ فِي هَذَا المَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ) وضوءًا (مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ) وسبق في «الطهارة» [خ¦159] بلفظ: «من توضَّأ نحو وضوئي هذا» و«نحو» إن قُدِّرت بمعنى قريب، فتكون ظرفًا على التَّوسُّع في المكان، أي: قاربَ فعلي فعله، بمعنى: أنَّ من قاربتهُ فقد قاربكَ، وإن قُدِّرت بمعنى «مثل» كان فيه تجوُّز أيضًا؛ لأنَّه لا يقدر أحدٌ على مثلِ وضوء النَّبيِّ صلعم من كلِّ وجهٍ لا في نيَّته، ولا في إخلاصهِ، ولا في علمهِ(3) بكمال طهارتهِ، واستيعاب غسلِ أعضائهِ. والنَّحو: لغة القصدُ والمثل، تقول(4): هذا نحو زيدٍ، أي: مثل زيدٍ، ومتى قدَّرتها بمعنى «مثل» كان نعتًا لمصدرٍ محذوف، أي: توضَّأ وضوءًا مثل وضوئي، واختارَ سيبويه أن تكون حالًا؛ لأنَّ حذف الموصوفِ دون الصِّفة لا يجوز إلَّا في مواضع معدودة، وتقديرُ الحال هنا من محذوفٍ، أي: توضَّأ الوضوء مثل وضوئي، فإن قُدِّرت «نحو» بمعنى قريبًا كانت ظرفًا ويكون قُرْبًا مجازيًا، وفي ورود الرِّواية هنا بلفظ «مثل» ردٌّ على نافيها(5) (ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ) ولمسلمٍ من طريق نافع بن جبيرٍ، عن حمران: «ثمَّ مشى إلى الصَّلاة المكتوبةِ فصلَّاها مع النَّاس، أو في المسجد» وفي رواية هشام بن عروة‼، عن أبيهِ، عن حمران _عندهُ أيضًا_ / : «فيصلِّي صلاةً» وفي أخرى له عنه: «فيصلِّي الصَّلاة المكتوبة» (ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ولمسلمٍ من رواية هشام: «إلَّا غُفِر له ما بينها وبين الصلاة التي تليها» أي: التي سبقتها، وأصرح منه رواية أبي صخرٍ، عن حمران _عند مسلم أيضًا_: «فيصلِّي هذه الصَّلوات الخمس إلَّا كانت كفَّارةً لما بينهنَّ» (قَالَ) عُثمان: (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا تَغْتَرُّوا) لا تحملوا الغفران على عمومهِ في جميع الذُّنوب، فتسترسلوا في الذُّنوب اتِّكالًا على غُفْرانها بالصَّلاة، فإن الصلاة الَّتي تُكفِّر الذُّنوب هي المقبولة، ولا اطِّلاع لأحدٍ عليه، أو أنَّ المكفَّر بالصَّلاة الصَّغائر، فلا تغترّوا فتعملوا الكبائر بناء على تكفيرِ الذُّنوب بالصَّلاة فإنَّه خاصٌّ بالصَّغائر(6)، والمطابقة في قوله: «لا تغترّوا».
          وأخرج الحديثَ مسلمٌ في «الطَّهارة» والنَّسائيُّ في «الصَّلاةِ».


[1] في (د): «التميمي».
[2] في (د) زيادة: «عن».
[3] في (ص): «عمله».
[4] في (ص): «نحو».
[5] في (د): «على ما قبلها».
[6] قوله: «فلا تغترُّوا، فتعملوا الكبائر؛ بناءً على تكفيرِ الذُّنوب بالصَّلاة، فإنَّه خاصٌّ بالصَّغائر»: ليس في (د). وهو ثابت.