إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا إن الخمر قد حرمت

          2464- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى) المعروف بصاعقة قال: (أَخْبَرَنَا عَفَّانُ) بن مسلمٍ، الصَّفَّار، وهو من شيوخ المؤلِّف، روى عنه في «الجنائز» [خ¦1368] بغير واسطةٍ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) البصريُّ، واسم جدِّه درهمٌ، قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتٌ) هو ابن أسلم البنانيُّ (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه قال: (كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ) سهلٍ الأنصاريِّ، زوجِ أمِّ أنسٍ، وقد جاءت أسامي القوم مُفرَّقةً في أحاديثَ صحيحةٍ في هذه القصَّة وهم: أُبيُّ بن كعبٍ، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، ومعاذ بن جبلٍ، وأبو دجانة سِمَاك ابن خَرَشَة، وسُهَيل بن بيضاء، وأبو بكرٍ رجلٌ من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهو ابن شعوب(1) الشَّاعر (وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ) بفاءٍ ومعجمتين، بوزن «عظيمٍ» اسمٌ للبُسْر الذي يحمرُّ أو يصفرُّ قبل أن يترطَّب، وقد يُطلَق الفضيخُ على خليط البُسْر والرُّطب كما يُطلَق على خليط البُسْر والتَّمر، وكما يُطلَق على البُسْر وحده، وعلى التَّمر وحده (فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم مُنَادِيًا) قال الحافظ ابن حجرٍ: لم أرَ التَّصريح باسمه (يُنَادِي: أَلَا) بفتح الهمزة والتَّخفيف (إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ) أي: أنسٌ: (فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“ : فَجَرَتْ في سِكَك المدينة، جمع سِكَّةٍ _بكسر السِّين في المُفرَد والجمع_ أي: طرقها وأزقَّتها، وفي السِّياق حذفٌ تقديره: حُرِّمت فأمر النَّبيُّ صلعم بإراقتها، فأُرِيقت، فَجَرَتْ في سِكَك المدينة، فقال لي أبو طلحة: (اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا) بقطع الهمزة في الفرع، ووصلها في غيره، والجزم على الأمر، أي: صبَّها، قال أنسٌ: (فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا) بفتح الهاء والرَّاء(2) وسكون القاف، والأصل: أَرَقْتُها، فأُبدِلت الهمزة هاءً، وقد يُستعمَل بالهمزة والهاء معًا _كما مرَّ_ وهو نادرٌ، أي: صببتها (فَجَرَتْ) أي: سالت الخمر (فِي سِكَكِ المَدِينَةِ) وفيه إشارةٌ إلى توارد من كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتَّى جَرَت في الأزقَّة من كثرتها، قال المُهلَّب: إنَّما صُبَّتِ الخمرُ في الطَّريق للإعلان برفضها، وليشتهر تركها، وذلك أرجح في المصلحة من التَّأذِّي بصبِّها في الطَّريق، ولولا ذلك‼ لم يحسن صبُّها فيه لأنَّها قد تؤذي النَّاس في ثيابهم، ونحن نمنع من إراقة الماء في الطَّريق من أجل أذى النَّاس في ممشاهم، فكيف أذى(3) الخمر؟ قال ابن المنيِّر: إنَّما أراد البخاريُّ التَّنبيهَ على جواز مثل هذا في الطَّريق للحاجة، فعلى هذا يجوز تفريغ الصَّهاريج ونحوها في الطُّرقات، ولا يُعَدُّ ذلك ضررًا، ولا يضمن فاعله ما ينشأ عنه من زلقٍ ونحوه. انتهى. ومذهب الشَّافعيَّة: لو رشَّ الماء في الطَّريق فزلق به إنسانٌ أو بهيمةٌ فإن رشَّ لمصلحةٍ عامَّةٍ كدفع الغبار عن المارَّة، فليكن كحفر البئر للمصلحة العامَّة، وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضَّمان، ولو جاوز القدر المعتاد في الرَّشِّ، قال المتولِّي: وجب الضَّمان قطعًا كما لو بلَّ الطِّين في الطَّريق فإنَّه يضمن ما تلف به، ويحتمل أنها إنَّما أُريقت في الطُّرق(4) المنحدرة بحيث ينصبُّ(5) إلى الأتربة والحشوش، أو الأودية فتُستهلَك فيها، ويؤيِّده ما أخرجه ابن مردويه من حديث جابرٍ بسندٍ جيِّدٍ في قصَّة صبِّ الخمر، قال: فانصبَّت حتَّى استنقعت في بطن الوادي.
          (فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ) لم أقف على اسم القائل: (قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ) أي: الخمر (فِي بُطُونِهِمْ) وعند البيهقيِّ والنَّسائيِّ من طريق ابن عبَّاسٍ، قال: نزل تحريم الخمر في ناسٍ شربوا، فلمَّا ثملوا عبثوا، فلمَّا صَحَوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر، فنزلت، فقال ناسٌ من المتكلِّفين: هي رجسٌ وهي في بطن فلانٍ وقد قُتِل بأُحدٍ، وروى البزَّار من حديث جابرٍ: إنَّ الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود (فَأَنْزَلَ اللهُ) ╡ الآية التي في سورة المائدة ({لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ}... الآيَةَ[المائدة:93]) يعني: شربوا قبل تحريمها، ووقع / في رواية الإسماعيليِّ عن ابن ناجية عن أحمد بن عبدة ومحمَّد بن موسى عن حمَّادٍ في آخر هذا الحديث، قال: حمَّادٌ: فلا أدري هذا في الحديث، أي(6) عن أنسٍ، أو قاله ثابتٌ، أي(7) مرسلًا، يعني: قوله: «فقال بعض القوم...» إلى آخر الحديث.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «تفسير سورة المائدة» [خ¦4620] وفي «الأشربة» [خ¦5582]، ومسلمٌ وأبو داود في «الأشربة».


[1] في (م): «شغوب»، وهو تصحيفٌ.
[2] «والرَّاء»: مثبتٌ من (د) و(س).
[3] «أذى»: ليس في (م).
[4] في (د): «الطَّريق».
[5] في (د): «يصبُّه».
[6] «أي»: ليس في (د).
[7] في (د): «أو».