إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خسف به يوم القيامة

          2454- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الفَرَاهيديُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ) المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) الإمام في المغازي (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر ( ☺ ) وعن أبيه أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا) قلَّ أو كَثُر (بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ) أي: بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة (يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ) فتصير له كالطَّوق في عنقه بعد أن يطوِّله الله تعالى، أو أنَّ هذه الصِّفات تتنوَّع / لصاحب هذه الجناية على حسب قوَّة المفسدة وضعفها، فيُعذَّب بعضهم بهذا، وبعضهم بهذا، وفي الحديث: إمكانُ غصب الأرض خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف حيث قالا: الغصب لا يتحقَّق إلَّا فيما يُنقَل ويُحوَّل(1)؛ لأنَّ إزالة اليد بالنَّقل، ولا نقلَ(2) في العقار، وإذا غصب عقارًا فهلك في يده لم يضمنه، وقال محمد: يضمنه، وهو قول أبي يوسف الأوَّل، وبه قال الشَّافعيُّ؛ لتحقُّق إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين على محلٍّ واحدٍ في حالةٍ واحدةٍ، فيتحقَّق الوصفان، وهو الغصب فصار كالمنقول وجحود الوديعة، ولهما _يعني: لأبي حنيفة وأبي يوسف_: أنَّ الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعلٍ في العين، وهذا لا يُتصوَّر في العقار؛ لأنَّ يد المالك لا تزول إلَّا بإخراجه عنها، وهو فعلٌ فيه لا في العقار، قاله في «الهداية»، واستدلَّ لهما في «الاختيار شرح المختار» بحديث الباب: «من ظلم من الأرض شيئًا طُوِّقه من سبع أرضين» لأنَّه ╕ ذكر الجزاء في غصب العقار، ولم يذكر الضَّمان، ولو وجب لذكره، وصوَّر المسألة بما إذا سكن دار غيره بغير إذنه ثمَّ خربت، أمَّا إذا هدم البناء وحفر الأرض فيضمن؛ لأنَّه وُجِد منه النَّقل والتَّحويل فإنَّه إتلافٌ، ويضمن بالإتلاف‼ ما لا يُضمَن بالغصب، والعقار يُضمَن بالإتلاف وإن لم يُضمَن بالغصب، ولأنَّه تصرُّفٌ في العين. انتهى. ومن فوائد حديث الباب ما قاله ابن المنيِّر: إنَّ فيه دليلًا على أنَّ الحكم إذا تعلَّق بظاهر الأرض تعلَّق بباطنها إلى التُّخوم، فمن مَلَكَ ظاهرَ الأرض مَلَكَ باطنها من حجارةٍ وأبنيةٍ ومعادنٍ، ومن حبس أرضًا مسجدًا أو غيره يتعلَّق التَّحبيس بباطنه، حتَّى لو أراد إمام المسجد أن يحتفر تحت أرض المسجد، ويبني مطامير تكون أبوابها إلى جانب المسجد تحت مصطبةٍ له أو نحوها، أو جعل المطامير حوانيت ومخازن لم يكن له ذلك؛ لأنَّ باطن الأرض تعلَّق به الحبس كظاهرها، فكما لا يجوز اتِّخاذ قطعةٍ من المسجد حانوتًا كذلك لا يجوز ذلك في باطنه.
          (قَالَ الفَـِرَبْريُّ: قَالَ أَبُو جَعْفَر بن أَبِي حَاتِم) واسمه محمَّدٌ البخاريُّ ورَّاق المؤلِّف: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (هَذَا الحَدِيثُ) أي: حديث الباب (لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابْنِ المُبَارَكِ) ولأبي ذرٍّ: ”في كتب ابن المبارك التي صنَّفها بها“ (أَمْلَاهُ) أي: الحديث، وللمُستملي والحَمُّويي: ”إنَّما أُمْلِيَ“ بزيادة: ”إنَّما“ وضمِّ الهمزة وحذف الضَّمير المنصوب (عَلَيْهِمْ بِالبَصْرَةِ) لكنَّ نعيم بن حمَّادٍ المروزيَّ ممَّن حمل عنه بخراسان، وقد حدَّث عنه بهذا الحديث، فيحتمل أن يكون حدَّث به بخراسان، والله أعلم، وهذه الفائدة التي ذكرها الفَـِرَبْريُّ ثابتةٌ في رواية أبي ذرٍّ، ساقطةٌ لغيره.


[1] في (د): «ويتحوَّل».
[2] «ولا نقل»: مثبتٌ من (د) و(س).