إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اعتمر رسول الله في ذي القعدة قبل أن يحج

          1781- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ) بن حكيم بن دينارٍ الأوديُّ قال: (حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميمين واللَّام، و«شُرَيح»: بالشِّين المعجمة المضمومة والحاء المهملة قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ) يوسف بن إسحاق الهَمْدانيُّ السَّبيعيِّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ (قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا) يعني: ابن الأجدع (وَعَطَاءً) هو ابن أبي رباحٍ (وَمُجَاهِدًا) هو ابن جبرٍ، أي: كم اعتمر رسول الله صلعم ؟ (فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي الوقت: ”النَّبيُّ“ ( صلعم فِي ذِي القَعْدَةِ) وسقط قوله: «في ذي القعدة» في رواية أبوي ذرٍّ والوقت (قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ) حجَّة الوداع.
          (وَقَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ☻ يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ) لا يدلُّ على نفي غيره لأنَّ مفهوم العدد لا اعتبار له، وقِيلَ: إنَّ البراء لم يعدَّ الحديبية لكونها لم تتمَّ، والتي مع حجَّته لأنَّها دخلت في أفعال الحجِّ، وكلُّهنَّ، أي: الأربعة في ذي القعدة في أربعة أعوامٍ على ما هو الحقُّ؛ كما ثبت عن عائشة وابن عبَّاسٍ ♥ : لم يعتمر رسول الله صلعم إلَّا في ذي القعدة، ولا ينافيه كون عمرته التي مع حجَّته في ذي الحجَّة، لأنَّ مبدأها كان في ذي القعدة، لأنَّهم خرجوا لخمسٍ بقين من ذي القعدة؛ كما في «الصَّحيح» [خ¦1709] وكان إحرامه بها في وادي العقيق قبل أن يدخل ذو الحجَّة، وفعلها كان في ذي الحجَّة، فصحَّ طريقا(1) الإثبات والنَّفي، وأمَّا ما رواه الدَّارقطنيُّ عن عائشة: خرجت مع رسول الله صلعم في عمرة رمضان فقد حكم الحفَّاظ بغلط هذا الحديث؛ إذ لا خلاف أنَّ عُمَره لم تزد على أربعٍ، وقد عيَّنها أنسٌ وعدَّها وليس فيها ذكر شيءٍ منها في غير ذي القعدة‼ سوى التي مع حجَّته، فلو كانت له عمرةٌ في رجبٍ وأخرى في رمضان لكانت ستًّا، ولو كانت أخرى في شوَّال _كما هو في «سنن أبي داود»_ عن عائشة: أنَّه ╕ اعتمر في شوَّال لكانت سبعًا، والحقُّ في ذلك: أنَّ ما أمكن فيه الجمع وجب ارتكابه دفعًا للمعارضة، وما لم يمكن فيه حُكِمَ بمقتضى الأصحِّ والأثبت، وهذا أيضًا ممكن(2) الجمع بإرادة عمرة الجعرانة؛ فإنَّه ╕ خرج إلى حُنَينٍ في شوَّال، والإحرام بها في ذي القعدة، فكان مجازًا للقرب، هذا إن صحَّ وحُفِظ، وإلَّا فالمُعوَّل عليه الثَّابت، والله أعلم.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم كوفيُّون إلَّا عطاءً ومجاهدًا فمكِّيَّان، وفيه: التَّحديث والعنعنة والسُّؤال والسَّماع والقول.


[1] في (د): «طريق».
[2] في (ص) و(م): «يمكن».