إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: أربع إحداهن في رجب

          1775- 1776- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ البغلانيُّ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابن عبد الحميد (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابن المعتمر (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابن جبرٍ المفسِّر (قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ) المدنيَّ النَّبويَّ (فَإِذَا عَبْدُ اللهِ‼ بْنُ عُمَرَ ☻ جَالِسٌ) خبر «عبدُ الله» (إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ) ♦ ، وعند أحمد في رواية مُفَضَّلٍ عن منصورٍ: فإذا ابن عمر مستندٌ إلى حجرة عائشة (وَإِذَا أُنَاسٌ) بهمزةٍ مضمومةٍ، وفي «الفتح»: ”ناسٌ“ بحذفها للكُشْمِيْهَنِيِّ، وفي الفرع وأصله علامة ثبوتها لأبي الوقت (يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ) مجاهدٌ: (فَسَأَلْنَاهُ) أي: ابن عمر (عَنْ صَلَاتِهِمْ) التي يصلُّونها في المسجد (فَقَالَ) أي(1): ابن عمر: صلاتهم على هذه الصِّفة من الاجتماع لها في المسجد (بِدْعَةٌ، ثُمَّ قَالَ) عروة بن الزُّبير، وقع(2) التَّصريح بأنَّه عروة في «مسلمٍ» في رواية عن إسحاق بن رَاهُوْيَه عن جريرٍ(3) (لَهُ) أي: لابن عمر: (كَمِ اعْتَمَرَ / النَّبِيُّ صلعم ؟ قَالَ: أَرْبَعٌ) بالرَّفع خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: عُمَرُهُ أربعٌ، ولأبي ذرٍّ: ”أربعًا“ بالنَّصب، أي: اعتمر أربعًا، قال ابن مالكٍ: الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللَّفظ والمعنى، وقد يكتفىَ بالمعنى، فمن الأوَّل: قوله تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ (4)}[طه:18] في جواب: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه:17] ومن الثَّاني: قوله ╕ : «أربعين يومًا» جوابًا لقول السَّائل: ما لبثه في الأرض؟ فأُضمِر «يلبث» ونُصِب به: «أربعين»، ولو قصد تكميل المطابقة لقال: أربعون لأنَّ الاسم المُستفهَم به في موضع الرَّفع، فظهر بهذا أنَّ الوجهين(5) جائزان إلَّا أنَّ النَّصب أقيس وأكثر نظائر، قال: ويجوز أن يكون «أربعٌ» كُتِبَ بالألف(6) على لغة ربيعة في الوقف بالسُّكون على المنصوب المُنوَّن(7). انتهى. وهو(8) مثل ما سبق له قريبًا، وقد مرَّ قول(9) العلَّامة البدر الدَّمامينيِّ: إنَّه مقتضٍ للنَّصب لا للرَّفع (إحْدَاهُنَّ) أي: العمرات كانت (فِي) شهر (رَجَبٍ) بالتَّنوين (فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ).
          (قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ) ♦ ، أي: حسَّ مرور السِّواك على أسنانها (فِي الحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ) بن الزُّبير لعائشة: (يَا أُمَّاهُ) بالألف بين الميم والهاء المضمومة(10) في الفرع وغيره، وقال الحافظ ابن حجرٍ والبرماويُّ _كالكِرمانيِّ_: بسكونها، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”يا أمَّهْ“ بحذف الألف وسكون الهاء، وفي نسخةٍ(11): ”يا أمَّ المؤمنين“ وهذا بالمعنى(12) الأعمِّ لأنَّها أمُّ المؤمنين، والسَّابق بالمعنى الأخصِّ لأنَّها خالته (أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عبد الله بن عمر ☻ ؟ (قَالَتْ) عائشة ♦ : (مَا يَقُولُ) عبد الله؟ (قَالَ) عروة: (يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمْـُــَرَاتٍ) بسكون الميم وفتحها وضمِّها(13)، والتَّحريكُ لأبي ذرٍّ: ”عَمَرَاتٍ“ بفتحاتٍ(14) (إِحْدَاهُنَّ فِي) شهر (رَجَبٍ، قَالَتْ) أي(15): عائشة: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابن عمر ☻ (مَا اعْتَمَرَ) النَّبيُّ صلعم (عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ) أي: ابن عمر (شَاهِدُهُ) أي: حاضرٌ معه (وَمَا اعْتَمَرَ) صلعم (فِي) شهر (رَجَبٍ قَطُّ) قالت ذلك مبالغةً في نسبته إلى النِّسيان، ولم تنكر عليه إلَّا قوله: «إحداهنَّ في رجبٍ»، وزاد مسلمٌ عن عطاءٍ عن عروة قال: «وابن عمر يسمع‼، فما قال: لا ولا نعم(16)، سكت» قال النَّوويُّ: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدلُّ على أنَّه كان اشتبه عليه أو نسي أو شكَّ. انتهى. وبهذا يُجاب عمَّا استشكل من تقديم قول عائشة النَّافي على قول ابن عمر المثبت، وهو خلاف القاعدة المقرَّرة(17).


[1] «أي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] «وقع»: ليس في (د).
[3] قوله: «التَّصريح: بأنَّه عروة في مسلمٍ في رواية عن إسحاق بن رَاهُوْيَه عن جريرٍ» ليس في (د) و(م).
[4] «أتوكَّأ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[5] في (ص): «الموضعين».
[6] في (س): «بلا ألفٍ»، وفي (ص) و(م): «بالسُّكون».
[7] في (د): «بالسَّكون».
[8] في (ب) و(س): «وهذا».
[9] في (ص): «وقد قال».
[10] في (د): «بألفٍ بعد الميم، والهاء مضمومة».
[11] «وسكون الهاء، وفي نسخةٍ»: سقط من (د).
[12] في (د): «المعنى».
[13] «وضمِّها»: ليس في (ص).
[14] «عَمَرَاتٍ؛ بفتحاتٍ»: مثبتٌ من (ص). وهامش (ج).
[15] «أي»: ليس في (ب) و(د).
[16] في زيد في (د): «بل»، وهامش (ص) و(ج): قوله: «ولا نعم» كذا في «صحيح مسلمٍ»، ووقع في خطِّ الشَّارح: «نعلم؛ بزيادة لامٍ» سبق قلمٍ.
[17] في (ص) و(م): «المُقدَّرة».