إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور

          1035- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) هو ابن إبراهيم (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)‼ بن الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ) بفتحتين، هو ابن عُتَيبة (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابن جَبْرٍ المفسِّر (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: نُصِرْتُ بِالصَّبَا) الرِّيح الَّتي تجيء من قِبَل ظهرك إذا استقبلْتَ القِبلة، أي(1): وأنت بمصر(2)، ويقال لها: القَبول _بفتح القاف_ لأنَّها تقابل باب الكعبة؛ إذ مهبُّها من مشرق الشَّمس، وقال ابن الأعرابيِّ: مهبُّها من مطلع الثُّريَّا إلى بنات نَعْشٍ، وفي التَّفسير: أنَّها الَّتي حملت ريح يوسف إلى يعقوب قَبْل البشير إليه، فإليها يستريح كلُّ محزونٍ، ونُصْرَته ╕ بالصَّبا كان(3) يوم الأحزاب، وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين(4) حاصروا المدينة، فأرسل الله عليهم ريح الصَّبا باردةً في ليلةٍ شاتيةٍ، فسفَّت التُّراب في وجوههم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت(5) خيامهم، فانهزموا من غير قتالٍ، ومع ذلك فلم يهلك منهم أحدٌ، ولم يستأصلهم لما علم الله من رأفة نبيِّه ╕ بقومه رجاء أن يُسلموا (وَأُهْلِكَتْ) بضمِّ الهمزة وكسر اللَّام (عَادٌ) قوم هودٍ (بِالدَّبُورِ) بفتح الدَّال، الَّتي تجيء من قِبَل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضًا، فهي تأتي من دبرها، وقال ابن الأعرابيِّ: الدَّبور من(6) مسقط النَّسر الطَّائر إلى سُهَيلٍ، وهي الرِّيح العقيم، وسُمِّيَت عقيمًا لأنَّها أهلكتهم، وقطعت دابرهم(7). وروى شَهْر بن حَوْشَبٍ _ممَّا ذكره السَّمرقنديُّ_ عن ابن عبَّاسٍ قال: ما أنزل الله قطرةً من ماءٍ إلَّا بمثقالٍ، ولا أنزل سَفْوةً من ريحٍ إلَّا بمكيالٍ، إلَّا قوم نوحٍ وقوم عادٍ، فأمَّا قوم نوحٍ طغى على خُزَّانِه(8) الماء، فلم يكن لهم عليه سبيلٌ، وعتت الرِّيح يوم عادٍ على خُزَّانها، فلم يكن لهم عليها سبيلٌ، وقال غيره: كانت تقلع الشَّجر، وتهدم البيوت، وترفع الظَّعِيْنَة بين السَّماء والأرض، حتَّى تُرى كأنَّها جرادةٌ، وترميهم بالحجارة، فتدقُّ أعناقهم، وعن ابن عبَّاسٍ: دخلوا البيوت وأغلقوها، فجاءت الرِّيح، ففتحت الأبواب، وسفَّت عليهم الرَّمل، فبقوا تحته سبع ليالٍ وثمانية أيَّامٍ، فكان يُسمَع أنينهم تحت الرَّمل. وبقيَّة مباحث الحديث تأتي _إن شاء الله تعالى_ في «بدء الخلق» [خ¦3205]. واستنبط منه ابن بطَّالٍ: تفضيل المخلوقاتِ بعضِها على بعضٍ(9) من جهة إضافة النَّصر للصَّبا، والإهلاك للدَّبور، وتُعقِّب بأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما أهلكت أعداء الله، ونصرَت أنبياءه وأولياءه. انتهى. وأمَّا الرِّيح الَّتي مهبُّها من جهة يمين القبلة: فالجنوب، والَّتي من جهة شمالها: الشَّمال، ولكلٍّ من الأربعة طبعٌ: فالصَّبا: حارَّةٌ يابسةٌ، والدَّبور: باردةٌ رطبةٌ، والجنوب: حارَّةٌ رطبةٌ، والشَّمال: باردةٌ يابسةٌ، وهي ريح الجنَّة الَّتي تهبُّ عليهم، رواه مسلمٌ.


[1] «أي»: مثبتٌ من (م).
[2] «وأنت بمصر»: سقط من (ص) و(ج).
[3] في (ب) و(س): «كانت».
[4] «حين»: ليس في (د).
[5] في (ب): «قطعت».
[6] «مِن»: ليس في (د).
[7] في (م): «دائرهم»، وهوتحريفٌ.
[8] في (د) و(م): «خُزَّانها».
[9] إلى هنا ينتهي كلام ابن بطال وما بعده من إضافة صاحب المصابيح وكذا التعقيب له.