إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية

          1019- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيْسِيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام الأعظم (عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) بفتح النُّون وكسر الميم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ : (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) هو كعب بن مرَّة، وقيل غيره (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ) بالمثنَّاة الفوقيَّة وتشديد الطَّاء مِن «تَقَطَّعَتْ»، والسُّبُل بضمَّتَين، جمع سبيلٍ، وهو الطَّريق، يذكَّر ويؤنَّث، قال تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}(1)[الأعراف:146] وقال: { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي}[يوسف:108] وانقطاعها إمَّا لعدم(2) المياه الَّتي يعتاد المسافرون ورودها، وإمَّا باشتغال النَّاس وشدَّة القحط عن الضَّرب في الأرض (فَادْعُ اللهَ) لنا (فَدَعَا اللهَ، فَمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ) الأخرى (فَجَاءَ رَجُلٌ) / هو الأوَّل (إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ) من كثرة المطر (وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ) بالمثنَّاة الفوقيَّة وتشديد الطَّاء، أي: لتعذُّر(3) سلوكها (وَهَلَكَتِ المَوَاشِي) فادعُ الله يمسكْها (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : اللَّهُمَّ) أي: يا اللهُ، أنزل المطر (عَلَى ظُهُورِ الجِبَالِ وَالإِكَامِ) بكسر الهمزة، جمع أكمةٍ، بفتحها: ما غَلُظَ من الأرض، ولم يبلغ أن يكون جبلًا، وكان أكثرَ(4) ارتفاعًا ممَّا حوله، ويُروى: «الآكام» بفتح الهمزة ومدِّها، والأُكُمُ، بضمِّ الهمزة والكاف، جمع إِكَامٍ، ككِتَابٍ وكُتُبٍ (وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) جمع منبِتٍ، بكسر الموحَّدة، أي: ما حولها ممَّا يصلح أن ينبت فيه؛ لأنَّ(5) نفس المنبت لا يقع عليه المطر. (فَانْجَابَتْ) أي: السُّحب الممطرة (عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ) فإن قلت: قد(6) تقدَّم «باب سؤال النَّاس الإمام إذا قحطوا» فما الفرق بينه وبين هذا الباب؟ أجاب الزَّين بن المنيِّر: بأنَّ الأُولى لبيان ما على النَّاس أن يفعلوه إذا احتاجوا للاستسقاء، والثَّانية لبيان(7) ما على الإمام من إجابة سؤالهم، وأجاب ابن المنيِّر أيضًا عن السِّرِّ في كونه ╕ لم يبدأ بالاستسقاء حتَّى سألوه _مع أنَّه ╕ أَشفقُ عليهم منهم، وأَوْلَى بهم من أنفسهم_ بأنَّ مقامه ╕ التَّوكُّل والصَّبر على البأساء والضَّرَّاء ولذلك(8) كان أصحابه الخواصُّ يقتدون به، وهذا المقام لا تَصِل(9) إليه العامَّة وأهل البوادي، ولهذا _والله أعلم_ كان السَّائل في الاستسقاء بدويًّا، فلمَّا سألوه أجاب رعايةً لهم وإقامةً لسنَّة هذه العبادة فيمن بعده‼ من أهل الأزمنة الَّتي يغلب على أهلها الجزع وقلَّة الصَّبر على اللَّأْواء، فيُؤخَذ منه: أنَّ الأفضل للأئمَّة الاستسقاء، ولمن ينفرد بنفسه بصحراء أو سفينةٍ الصَّبر والتَّسليم للقضاء لأنَّه ╕ قبل السُّؤال فوَّض ولم يستسقِ.


[1] زيد في (د): «{وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}».
[2] في (ب) و(د) و(س): «بعدم».
[3] في (ب) و(د) و(س): «تعذَّر».
[4] في (ب) و(س) و(ص): «أكبر».
[5] في (د): «إذ».
[6] «قد»: مثبتٌ من (ص).
[7] «لبيان»: ليس في (د). وهي ثابتة في «الفتح».
[8] في (ب): «كذلك». وهي كذلك في مصابيح الجامع أصل نقل المؤلف.
[9] في (ب) و(د) و(س): «يَصِل». والمثبت موافق للمصابيح.