إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعًا

          7307- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ تَلِيدٍ) بفتح الفوقيَّة وكسر اللَّام بوزن عظيمٍ، هو سعِيد _بكسر العين_ ابن عيسى بن تليدٍ نسبه إلى جدِّه، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ) بضمِّ المعجمة وفتح الرَّاء بعدها تحتيَّةٌ ساكنةٌ فمهملةٌ، الإسكندرانيُّ (وَغَيْرُهُ) قال الحافظ أبو ذرٍّ الهرويُّ: هو عبد الله ابن لَهِيعة، وأبهمه المصنِّف ☼ (1)؛ لضعفه عنده، واعتمد على عبد الرَّحمن بن شُرَيْحٍ (عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ) محمَّد بن عبد الرَّحمن (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير أنَّه (قَالَ: حَجَّ) مارًّا (عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين وسكون الميم (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: إِنَّ اللهَ لَا يَنْزِعُ العِلْمَ) من النَّاس (بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا) نُصِبَ على المصدريَّة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”أعطاكموه“ بالكاف بدل الهاء(2) (وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ(3) مِنْهُمْ) أو منكم، بالكاف (مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ) فيه نوع قلبٍ، والتَّقدير ولكن ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم، أو المراد بـ «علمهم»: بكتبهم، بأن يُمحى العلم من الدَّفاتر، وتبقى «مع» على(4) المصاحبَة (فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ) بفتح التَّحتيَّة والقاف من «فيبقى» (يُسْتَفْتَوْنَ) بفتح الفوقيَّة قبل الواو السَّاكنة، أي: تُطلَبُ منهم الفتوى (فَيُفْتُونَ) بضمِّ التَّحتيَّة والفوقيَّة (بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ) بضمِّ التَّحتيَّة (وَيَضِلُّونَ) بفتحها، قال عروة: (فَحَدَّثْتُ عَائِشَةَ) ولأبوي الوقت وذَرٍّ: ”فحدَّثتُ به عائشة“ (زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ) أي: بعد تلك(5) السَّنة أو الحجَّة (فَقَالَتْ)‼ له عائشة: (يَا بْنَ أُخْتِي) أسماء بنت أبي بكر (انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللهِ) بن عمرٍو (فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ) بسكون المثلَّثة، وفي «مسلمٍ» قالت لي عائشة: «يا بن أختي بلغني أنَّ عبد الله بن عمرٍو مارٌّ بنا إلى الحجٍّ، فَالقَهُ فسائله، فإنَّه قد حمل عن النَّبيِّ صلعم عِلمًا كثيرًا»، قال عروة: (فَجِئْتُهُ) أي: جئتُ عبد الله بن عمرٍو (فَسَأَلْتُهُ) عن ذلك (فَحَدَّثَنِي بِهِ كَنَحْوِ(6) مَا حَدَّثَنِي) في المرَّة الأولى (فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ) ♦ (فَأَخْبَرْتُهَا) بذلك (فعَجِبَتْ) لكونه ما غيَّر حرفًا عنه (فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو!) وفي رواية سفيان بن عُيينة عند الحميديِّ(7) قال عروة: «ثمَّ لبثتُ سنةً، ثمَّ لقيتُ عبد الله بن عمرٍو في الطَّواف، فسألته، فأخبرني»، قال في «الفتح»: فأفاد أنَّ لقاءه إيَّاه في المرَّة الثَّانية كان بمكَّة، وكأنَّ عروة كان حجَّ في تلك السَّنة من المدينة، وحجَّ عبد الله من مصر، فبلغ عائشة، ويكون قولها: «قد قدم» أي(8): من مصر طالبًا مكَّة(9)، لا أنَّه قدم المدينة؛ إذ لو دخلها للقيه عروة بها، ويحتمل أن تكون عائشة حجَّت تلك السَّنة وحجَّ معها عروة، فقدم عبد الله بَعْدُ، فلقيه عروةُ(10) بأمر عائشة، وعند أحمد عن ابن مسعودٍ قال: «هل تدرون ما ذهابُ العلم؟ ذهابُ العلماء» واستُدِلَّ بالحديث على جواز خلوِّ الزَّمان عن مجتهدٍ، وهو قول الجمهور، خلافًا لأكثر الحنابلة وبعضٍ من غيرهم؛ لأنَّه صريحٌ في رفع العلم بقبض العلماء، وفي ترئيس أهل الجهل، ومِنْ لازِمِهِ الحُكمُ بالجهل، وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد، وعورض هذا بحديث «لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين حتَّى يأتي أمر الله» [خ¦3116] وأُجيب بأنَّه ظاهرٌ في عدم الخلوِّ، لا في نفي الجواز، وبأنَّ الدَّليل الأوَّل أظهر؛ للتَّصريح بقبض العلم تارةً ورفعه(11) أخرى، بخلاف الثَّاني، ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «فيفتون برأيهم».
          والحديث سبق في «باب كيف يقبض العلم» من «كتاب العلم» [خ¦100] وأخرجه مسلمٌ في «القدر» والتِّرمذيُّ في «العلم» وابن ماجه في «السَّنة».


[1] « ☼ »: ليس في (د).
[2] في (د): «أعطاهموه بالهاء بدل الكاف»، وليس بصحيحٍ.
[3] في (د): «بنزعه»، وفي نسخة بهامشها كالمثبت.
[4] «على»: مثبتٌ من (د) و(س).
[5] «تلك»: مثبتٌ من (د) و(س).
[6] في (ص): «نحو»، وفي (ع): «بنحو»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[7] في (د): «الحَمُّويي»، وهو تحريفٌ.
[8] «أي»: مثبتٌ من (ب) و(س)، ونبَّه الشيخ قطة ☼ بهامش الطبعة البولاقية إلى أنَّ هذه اللفظة: «قد قَدِم» لم ترد هنا في رواية أحد، ولعلها في رواية أوردها الفتح. انتهى. قلنا: هذه العبارة منقولة من الفتح، وهي في رواية حرملة التي أخرجها مسلم وأورد ابن حجر بعض ألفاظها أثناء شرحه.
[9] في (د): «لمكَّة».
[10] «عروة»: مثبتٌ من (د) و(س).
[11] في (ص): «برفعه».