إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين

          6880- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بنُ دُكين قال: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بفتح الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة فألف فنون(1)، ابن عبد الرَّحمن النَّحويُّ البصريُّ، نزيل الكوفة (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثير الطَّائيِّ، واسم أبي كثيرٍ صالح (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بنِ عبد الرَّحمنِ بن عوف (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ خُزَاعَةَ) بضم الخاء المعجمة‼ وفتح الزاي المخففة وبعد الألف عين مهملة، القبيلة المشهورة (قَتَلُوا رَجُلًا) وكانت خُزاعة قد غَلبوا على مكَّة وحكموا فيها، ثمَّ أُخرِجوا منها فصاروا في ظاهرهَا / ، ورواية شَيْبان في «باب كتابة العلم»، من «كتاب العلم» [خ¦112].
          قال المؤلِّف محوِّلًا للسَّند: (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ) ضدُّ الخوف، ابن المثنى شيخ المؤلِّف، ووصله البيهقيُّ من طريق هشام بن عليٍّ السِّيرافيُّ عنه، قال: (حَدَّثَنَا حَرْبٌ) بفتح الحاء(2) المهملة وسكون الراء بعدها موحدة، ابن شدَّاد، ولفظ الحديث له (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثير أنَّه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن قال: (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّهُ) أي: أنَّ(3) الشَّأن (عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا) لم يُسمَّ (مِنْ بَنِي لَيْثٍ) بالمثلَّثة، القبيلةُ المشهورةُ المنسوبة إلى ليثِ بن بكرِ بن كنانة بنِ خُزيمة بن مُدْركة بن إلياس بن مُضر (بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ) اسمُه أحمرُ، واسم الخزاعيِّ الَّذي قُتِل خِرَاش _بالخاء والشين المعجمتين بينهما راء بألف_ ابن أميَّة، وذكر ابنُ هشام أنَّ المقتول من بني ليث اسمهُ جندب بن الأكوع.
          قال في «الفتح»: ورأيتُ في الجزء الثَّالث من «فوائد أبي عليِّ بن خُزيمة» أنَّ اسم الخزاعيِّ القاتل هلال بن أميَّة، فإن ثبتَ فلعلَّ هلالًا لقبُ خِرَاش. وفي «مغازي» ابن إسحاق: حَدَّثني سعيد بن أبي سَنْدَر(4) الأسلميُّ عن رجلٍ من قومهِ قال: كان معنَا رجلٌ(5) يقال له: أحمرُ، وكان شُجاعًا وكان إذا نامَ غطَّ، فإذا طرقهم شيءٌ صاحوا به، فيثورُ مثل الأسدِ، فغزَاهم قومٌ من هُذيل في الجاهليَّة، فقال لهم ابن الأثوع _بالثاء المثلثة والعين المهملة_: لا تعجلوا حتَّى أنظرَ فإن كان أحمرُ فيهم فلا سبيلَ إليهم، فاستمعَ إليهم(6)، فإذا غطيطُ أحمرَ فمَشى إليه حتَّى وضع السَّيف في(7) صدرِه فقتلهُ، وأغاروا على الحيِّ، فلمَّا كان عام الفتح، وكان الغد من يوم الفتحِ أتى ابن الأثوع الهذليُّ حتَّى دخلَ مكَّة وهو على شركهِ، فرأتْه خُزاعة فعرفوه فأقبَل خِرَاشُ بن أميَّة، فقال: أفْرِجوا عن الرَّجل، فطعنَه بالسَّيف في بطنهِ فوقع قتيلًا (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَقَالَ) وفي رواية شيبان في «العلم» [خ¦112] فأخبر بذلك النَّبيّ صلعم فركبَ راحلتَه فخطبَ، فقال: (إِنَّ اللهَ حَبَسَ) منعَ (عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ) بالفاء والتَّحتية، الحيوان المعروف المشهور في قصَّةِ أبرهةَ، وهي أنَّه لما غلبَ على اليمن وكان نصرانيًّا بنى كنيسةً، وألزم النَّاس بالحجِّ(8) إليها، فاستغفلَ بعضُ العربِ الحَجَبةَ، وتغوَّط فيها وهرب، فغضبَ أبرهةُ وعزم على تخريبِ الكعبة، فتجهَّز في جيشٍ كثيفٍ واستصحبَ معه فيلًا عظيمًا، فلمَّا قَرُب من مكَّة قدَّم الفيلَ فبركَ الفيلُ، وكانوا كلَّما قدَّموه نحو الكعبة تأخَّر، وأرسل الله عليهم طيرًا مع كلِّ واحدٍ(9) ثلاثة أحجارٍ، حجران في رجليهِ، وحجرٌ في منقارهِ، فألقوها عليهم، فلم يبقَ أحدٌ منهم إلَّا أُصيب وأخذتْه الحكَّة، فكان لا يحكُّ أحدٌ منهم جلدهُ إلَّا تساقطَ لحمهُ (وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ) على أهلِ مكَّة (رَسُولَهُ) صلعم (وَالمُؤْمِنِينَ) ♥ (أَلَا) بالتخفيف‼، إنَّ الله قد حبسَ عنها (وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ) بفتح فكسر (لأَحَدٍ قَبْلِي) الجارُّ يتعلَّق بـ «تحلَّ»، وقيل: يتعلَّق بخبر كان تقديرُه(10): أي: لا تحلُّ(11) لأحدٍ كان كائنًا (وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) برفع «تحلُّ»، وزيادةُ «مِنْ» قبلَ «بعدِي»، والَّذي في «اليونينيَّة»: ”ولا تحلُّ لأحدٍ بعدي“ بإسقاط: «من» (أَلَا) بالتَّخفيف وفتح الهمزة (وَإِنَّمَا) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وإنَّها“ «بالهاء» بدل: «الميم»(12)، (أُحِلَّتْ لِي) أن أُقاتل فيها (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) ما بين طلوع الشَّمس وصلاة العصر (أَلَا) بالتخفيف (وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ) قوله: «وإنَّها ساعتي»: إنَّ واسمها و«ساعتي» الخبر، و«هذه» يحتملُ أن تكون بدلًا من «ساعتي»، أو عطف بيانٍ، ويحتملُ أن يكون الكلامُ تمَّ عند قوله: «ساعتي»، ثمَّ ابتدأ فقال: هذه _أي: مكة_ حرام، ويكون قد حذف صفة «ساعتي»، أي: إنَّها ساعتي الَّتي أنا فيها، وعلى الأوَّل يكون قوله: «حرام(13)» خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هي حرامٌ (لَا يُخْتَلَى) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح الفوقية واللام، لا يُجَزُّ (شَوْكُهَا) إلَّا المؤذي (وَلَا يُعْضَدُ) بالضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول، لا يُقطعُ (شَجَرُهَا، وَلَا يَلْتَقِطُ) بفتح التحتية، مبنيًّا للفاعل (سَاقِطَتَهَا) نصب مفعول، أي: ما سقطَ فيها بغفلةِ مالكهِ (إِلَّا مُنْشِدٌ) فليس لواجدِها سوى التَّعريف فلا يملكُها عند الشَّافعيَّة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ولا تُلتقط“ بضم الفوقية(14) مبنيًّا للمفعول ”ساقطتُها“ رفع نائب عن الفاعل «إلَّا لمنشدٍ» بزيادةِ لام(15) قبل الميم، والاستثناءُ مفرَّغ؛ لأنَّه متعلِّق(16) بـ «تلتقط ساقطتُها»، فتلتقطُ بمعنى تُباح، أي: لا تباح(17) لقطتُها، أو لا تجوزُ ”إلَّا لمنشدٍ“، فهو ملموح(18) منه معنى فعلٍ آخر (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) / أي: ومن قُتِلَ له قريبٌ(19) وكان حيًّا، فصار قتيلًا بذلك القتل. وقال في «العمدة»: قتيلٌ فعيلٌ بمعنى مفعولٌ سُمِّي(20) بما آلَ إليه حاله، وهو في الأصلِ صفةٌ لمحذوفٍ، أي: لوليِّ(21) قتيلٍ، ويحتملُ أن يُضمّنَ قُتِلَ معنى: وُجِدَ له قتيلٌ. قال(22): ولا يصحُّ هذا التَّقدير في قولهِ ◙ : «من قتل قتيلًا فله سلبه» والأوَّل من قبيل تسمية العصير خمرًا، وجواب «مَن» الشَّرطية قوله: (فَهْوَ) أي: المقتول له (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى) بضم التحتية وسكون الواو وفتح الدال المهملة، أي: يعطي القاتلُ أو أولياؤه لأولياء المقتول الدِّيةَ (وَإِمَّا يُقَادُ) بضم أوَّله والرفع، أي: يُقتل. قال المهلَّب وغيره: يُستفاد منه «أنَّ» الوليَّ إذا سئل في العفو على مالٍ إن شاء قَبِل ذلك وإن شاء اقتصَّ، وعلى الوليِّ(23) اتِّباع الأولى في ذلك، وليس فيه ما يدلُّ على إكراهِ القاتل على بذل الدِّية، ولأبي ذرٍّ: ”إمَّا أن يودَى“ بزيادة «أنْ» كقولهِ: ”وإمَّا أنْ يُقاد“ (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَاهٍ) بالشين المعجمة بعدها ألف فهاء، وهو في محلِّ صفة ثانية، وتركيبه تركيب إضافِي كأبي هريرة (فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ) الخطبة الَّتي سمعتها منك (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : اكْتُبُوا) الخطبة (لأَبِي شَاهٍ) قال ابنُ دقيق العيد: كان قد وقع الاختلافُ‼ في الصَّدر الأول في كتابة غيرِ القرآن، ووردَ فيه نهيٌ، ثمَّ استقرَّ الأمرُ بين النَّاس على الكتابة؛ لتقييدِ العلم بها، وهذا الحديثُ يدلُّ على ذلك لإذنه ╕ لأبي شاهٍ (ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) هو: العبَّاس بنُ عبد المطَّلب ☺ (فَقَالَ(24): يَا رَسُولَ اللهِ: إِلَّا الإِذْخِرَ) بكسر الهمزة وبالمعجمتين، الحشيشُ المعروف ذا العَرْف الطَّيِّب (فَإِنَّمَا) بالميم بعد النون (نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا) للسَّقف فوق الخشب (وَقُبُورِنَا) لنسدَّ(25) به فرج اللَّحد المتخلَّلة بين اللَّبِنات، والاستثناءُ من محذوفٍ يدلُّ عليه ما قبله، تقديرُه: حرم الشَّجر والخَلا إلَّا الإذخر، فيكون استثناء(26) متِّصلًا (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) بما أوحي إليه: (إِلَّا الإِذْخِرَ. وَتَابَعَهُ) أي: تابع حربَ بن شدَّاد (عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابن موسى بن باذام الكوفيُّ شيخ المؤلِّف في روايته (عَنْ شَيْبَانَ) بن عبد الرَّحمن عن يحيى عن أبي سلمة (فِي الفِيلِ) بالفاء، وهذه المتابعة وصلَها مسلمٌ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“ (بَعْضُهُمْ) هو: الإمام محمد بن يحيى الذُّهليُّ النَّيسابوريُّ (عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) الفضلِ بن دُكين: (القَتْلَ) بالقاف والفوقيَّة.
          (وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابن موسى بن باذام _في روايته عن شيبان بالسَّند المذكور_: (إِمَّا أَنْ يُقَادَ) بضم التحتية (أَهْلُ القَتِيلِ) أي: يؤخذُ لهم بثأرهِم. وهذا وصلَه مسلمٌ بلفظ: «إمَّا أن يُعطي الدِّية، وإمَّا أن يُقاد أهل القتيل».


[1] قوله: «بفتح الشين ... فألف فنون»: ليست في (د).
[2] «الحاء»: زيادة من (ص).
[3] «أن»: ليست في (د).
[4] في (د): «شداد».
[5] في (د): «كان رجل معنا».
[6] في (د): «القوم».
[7] في (د): «على».
[8] «بالحج»: ليست في (ع) و(ص).
[9] في (د): «واحدة».
[10] في (ص): «مقدرة».
[11] «لا تحل»: ليست في (ص).
[12] في (د): «وإنَّما، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي، فإنَّما فالفاء بدل الواو، وفي بعضها وإنَّها بالهاء». والمثبت موافق لليونينية وهوامشها.
[13] قوله: «ويكون قد حذف صفة ... يكون قوله حرام»: ليس في (ص).
[14] في (د): «بضم التحتية».
[15] في (ص): «اللام».
[16] في (د): «يتعلق».
[17] في (ل): «تباع».
[18] في (د): «يلوح».
[19] في (د) و(ع): «قتيل».
[20] في (ع) و(ص): «يسمى».
[21] في (ص): «لوالي»، وفي (س): «ولي».
[22] «قال»: ليست في (ع) و(د).
[23] في (د): «وعلى الأولياء».
[24] في (ص): «قال».
[25] في (ب): «لنشد».
[26] في (د): «الاستثناء».