الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها

          ░6▒ (باب: إذا اسْتُكْرِهَت المَرْأَةُ عَلَى الزِّنا فَلَا حَدَّ عَلَيْها...) إلى آخره
          قوله: ({غَفُورٌ رَحِيمٌ}) أي: لهنَّ، وقد قُرِئ في الشَّاذِّ: ▬فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ↨ ، وهي قراءة ابن مسعود وغيره، ونسبت أيضًا لابن عبَّاس، والمحفوظ عنه تفسيره بذلك، وكذا عن جماعة غيره، وجوَّز بعض المُعْرِبين أن يكون التَّقدير: لهم، أي: لمن وقع منه الإكراه، لكن إذا تاب، وَضُعِّفَ هذا القول، كما في «الفتح».
          وأمَّا حكمُ مسألة الباب عند الفقهاء فما في «الأوجز» عن ابن قُدامة: لا حدَّ على مُكْرَهَتِه(1) في قول عامَّة أهل العِلم، منهم عمر ☺ والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي، ولا نعلم [فيه] مخالفًا، وذلك لقول رسول الله صلعم: ((عُفي لأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). انتهى.
          وقالَ العلَّامةُ العينيُّ تحتَ حديثِ الباب: ولم يذكر البخاريُّ حكم إكراه الرَّجل على الزِّنا، فذهب الجمهور إلى أنَّه لا حدَّ عليه، وقالَ مالكٌ وجماعة: عليه الحدُّ لأنَّه لا تنتشر الآلة إلَّا بلذَّة، وسواءٌ أكرهه سلطان أو غيره، وعن أبي حنيفة: لا يُحَدُّ إن أكرهه سلطان، وخالفه أبو يوسف ومحمَّد ⌐. ومطابقة الحديث الثَّاني بالتَّرجمة ظاهرة مِنْ حيثُ إنَّه كما لا ملامة عليها في الخلوة معه إكراهًا، فكذلك المستكرهة في الزِّنا لا حدَّ عليها، قاله الكَرْمانيُّ وصاحب «التَّوضيح».
          قالَ العينيُّ: والأقرب أن يقال: وجه المطابقة مِنْ حيثُ إنَّه أكره إبراهيم ◙ على إرسالها إليه. انتهى.
          قلت: ليس هذا بأقرب، بل هو أبعد، لأنَّ التَّرجمة الاستكراه على الزِّنا اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: إن الإكراه على إبراهيم ◙ على إرسالها إليه إنَّما كان للزِّنا. وفي «تقرير المكِّيِّ»: قوله: (قام إليها) وفيه التَّرجمة، لأنَّها لمَّا خلت مع الجابر(2)(3) خلوةً صحيحة ولم تأثم لكونها مكرَهة، فكذلك المرأة المكرهة لا حدَّ عليها. انتهى.
          والحاصل أنَّ قيام الجبَّار إليها إنَّما كان لإرادة الزِّنا بالإكراه، لكنَّ الله ╡ عصمها برحمته وفضله.


[1] في (المطبوع): ((مكرهة)).
[2] في (المطبوع): ((الجبار)).
[3] كذا في الأصل وربَّما صحفت من الجبار والله اعلم