التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الفتك بأهل الحرب

          ░159▒ (بَابُ الفَتْكِ بِأَهْلِ الحَرْبِ)
          هو _بفتح الفاء_ الغدر، وهو الفعل أيضًا؛ يُقَالُ فتك به إذا اغتاله، وليس المراد به هنا الغدر بل الفتك على غرَّة وغفلة والغيلة ونحو ذلك، وفي حديث الباب جواز اغتيال من بلغته الدَّعوة من الكُفَّار وتبييته من غير دعاء إلى الإسلام، وقد اختُلِفَ في تأويل قتل كعب بن الأشرف على وجوه:
          أحدها: أنَّه من المباح، لأنَّ محمَّد بن مسلمة لم يصرِّح له بشيءٍ من لفظ التَّأمين كما قدَّمناه، وإنَّما أتاه بمعاريض من القول ألبسه؟؟؟ بها حتَّى تمكَّن من قتله، فيجوز أن يُسمَّى هذا فتكًا على المجاز.
          ثانيهما: أنَّه من باب فتك من آذى الله ورسوله، وذلك حلال الدَّم لا أمان له يعتصم به، فقتله جائز على كل حال لأنَّه ◙ إنَّما قتله بإذن من الله له في قتله، فصار ذلك أصلًا في جواز قتل كلِّ من آذى الله ورسوله.قال ابن بطَّال وغيره: ولا يجوز أن يُقَالُ إنَّ ابن الأشرف قُتِلَ غدرًا لأنَّه لم يكن معاهدًا ولا من أهل الذمَّة، أي: وكان ممَّن بلغته الدَّعوة وعلم ما يُدعَا إليه وحارب وحُورِبَ، ومن هو بهذه المثابة فدعوته قبل قتاله مطَّرحة ويثبت من هو كذلك، والإغارة عَلَيْه وتصبيحه وانتهاز فرصته بلا دعوة جائز، ومن ادَّعى أنَّ قتله غدر (1) كفر، وقُتِلَ بغير استتابة / لأنَّه تنقَّص الشَّارع ونعته بكبيرة وهي الغدر، وقد نزَّهه الله تعالى عن كل دنيَّة، ألا ترى قول هرقل لأبي سفيان: (وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرُّسل لا تغدر) وإنَّما قال هرقل ذلك لأنَّه وجد في صفته صلعم وصفة الأنبياء ╫ في الإنجيل أنَّه لا يجوز عليهم النَّقض (2) لأنَّهم صفوة الله، وهم المعصومون من الكبائر، والغدر كبيرة، وقد قال إنسان في مجلس عليِّ بن أبي طالب أنَّ قتله كان غدرًا، فأمر عليٌّ بضرب عنقه.


[1] في الأصل:((غدرا)).
[2] صورتها في الأصل:((النقص)).