التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب بغلة النبي صلعم البيضاء

          ░61▒ (بَابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ صلعم البَيْضَاءِ).
          قاله أنس: هو ما يرويه مع أبي حميد من حديث هديه أكيدر دومة كما سبق في بابه من كتاب الهبة.
          قوله: (وَقَالَ ابن حُمَيْدٍ) هو السَّاعدي، واسمه عبد الرحمن بن سعد بن المنذر، وقيل اسمه المنذر بن سعد الخزرجي، أهدى ملك أَيْلَةَ للنَّبيِّ صلعم بغلةً بيضاء.
          تعليق ابن حميد أسنده في الجزية وفيه: (فكساه بردًا وكتب له ببحرهم).وذكر مسلم أنَّ هذه البغلة أهداها له فروة بن نُفَاثة _بضمِّ النُّون وفتح الفاء وثاء مثلَّثة_ الجذامي، واسمه فيما قيل بحنة بن رؤبة.
          و(أَيْلَةُ) بفتح الهمزة وسكون المثناة من تحت، البلد المعروف فيما بين مصر والشَّام، وهذه البغلة هي الَّتي يُقَالُ لها دُلْدُل، ولم يكن لرسول الله صلعم بغلةٌ سواها، هكذا قال عفيف بن مسعود في «شرحه»: وقد كان له صلعم بغلات، وبغلة فروة غير البغلة الَّتي أهداها له ابن العلماء ملك أَيْلَةَ، لأنَّ إهداء ابن العلماء كان بتبوك / وهذا كان في حُنين قبل تبوك.وذكر مغلطاي الأيلية والَّتي أهداها ابن العلماء، والأيلية هي من ابن العلماء فيهما (1) واحدة، وقال: كان له بغلة أهداها له كسرى، وأخرى من دومة الجندل، وأخرى من عند النَّجاشي، وفضة وهي البيضاء الَّتي أهداها له فروة الجذامي، فإنَّها كانت بيضاء كالفضَّة.قال الشَّيخ تقي الدِّين بن الصَّباح: وهي أوَّل بغلة رُكِبَتْ في الإسلام.انتهى.
          وهكذا نقل الواقديُّ (2) بقيت إلى زمان معاوية، وفي «تاريخ دمشق»: قاتل عَلَيْها عليٌّ ☺ في خلافته الخوارج.وعند ابن إسحاق: كانت في قول عبد الله بن جعفر يُحَشُّ لها الشَّعير لأنَّ أسنانها ذهبت، وكانت شهباء، وكأنَّها إنَّما سُمِّيَتْ دُلدُل لشبه لونها بلونه، وقيل سُمِّيَتْ دُلدُل لخفَّتِها وسرعة سيرها، لأنَّ الدُّلدُل القنفُذ، وهو سريع السَّير، ولونه مستحسن، أهداها له المقوقس صاحب مصر مع مارية القبطيَّة وأختها سيرين، وغلامه مأبور.وعند الواقديِّ أهداها له فروه الجذامي، وعند المرزبانيِّ أهداها الحارث بن أبي شمر الغسَّاني، فلمَّا ظفر به صلبه، وما تقدَّم من أنَّ كسرى أهدى لرسول الله صلعم بغلة فهو في الثعلبي بإسناد فيه ضعف عن ابن عبَّاس، وأنَّ رسول الله صلعم ركبها بحبل من شعر وأردفه خلفه، وكيف يصحُّ هذا وكسرى قد مزَّق كتابه؟! وما ذكره من بغلة من النَّجاشيِّ فذكره أبو الشَّيخ عن ابن عبَّاس وهو غريب، وقد اختلفوا في إسلام حنَّا (3) صاحب أَيْلَةَ، فقال الطبريُّ: أسلم وعمَّر عمرًا طويلًا، وقال غيره: لم يسلم.قال القاضي عياض: وإنَّما قبل صلعم هذه الهديَّة يتألُّفه بذلك المصلحة وطمعًا في إسلامه، وقد وردَّ صلعم هديَّة من لم يطمع في إسلامه ولم يكن في قبولها مصلحة، لأنَّ الهديَّة تُوجِبُ المحبَّة والمودَّة، ومحبَّة الكفَّار ومواددتهم منهيٌّ عنها.
          قوله: (أَيْلَةَ) آخر الحجاز وأوَّل الشَّام على ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة عشر مرحلة.


[1] لعل الصواب:((فهي)).
[2] زاد هنا في الأصل:((في)).
[3] في الأصل غير واضحة وتحتمل أن تكون:((حنلي)).