التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: حسن المعاشرة مع الأهل

          (بَابُ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ)... إلى (كِتَاب الطَّلَاق)
          سَردَ ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (نبَّه بهذه التَّرجمة على أنَّ إيرادَ هذه الحكاية مِن النَّبيِّ صلعم ليس خاليًا عن فائدةٍ شرعيَّةٍ؛ بل مُشتمِلًا عليها، وتلك الفائدة: الإحسان(1) في معاشرة الأهل، كما نَدبَ الله سبحانه إليه، وفي بعض طرقه قال لها: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، غَيْر أنِّي لا أطلِّقَكِ»)، انتهى، فقوله: (إيراد هذه الحكاية...) إلى آخره: فيه نظر؛ لأنَّ الحاكيَ في «البُخاريِّ» و«مسلم» إنَّما هي عائشة ♦، ولكنَّه ◙ أقرَّها، وأمَّا في «النَّسَائيِّ»؛ فالكلُّ مَرْفوعٌ إلى النَّبيِّ صلعم، وعليه يتوجَّه كلام ابن المُنَيِّر، والله أعلم.
          تنبيهٌ: وقع في هذا الحديث ألفاظٌ ليست في «صحيح البُخاريِّ»، ذكرتُ بعضها، ولم أستوعبْها.
          وقول ابن المُنَيِّر: (وفي بعض طرقه...) إلى آخره: فاعلم أنَّه روى حديث أمِّ زرع بهذه الزِّيادة _أعني: «غَيرَ أنِّي لا أطلِّقك»_ الزُّبَيرُ بن بكَّار والخطيب البغداديُّ، كما عزاه شيخنا العراقيُّ إليهما، وفي «معجم الطَّبَرانيِّ الكبير» مِن حديث عائشة حديثُ أمِّ زرع، وفي آخره: «إلَّا أنَّ أبا زرع طلَّق، وأنا لا أُطلِّق»، انتهى، وعزاها بعضهم إلى التِّرْمِذيِّ؛ يعني: في «الشَّمائل»، ولم أرها فيه، والحديث ليس في «جامعه».
          فائدةٌ: جاء في حديث عائشة ♦ في «معجم الطَّبَرانيِّ الكبير» في «معجم النساء» أنَّها قالت بعد قوله ◙: «غير أنِّي لا أطلِّقك»: (أنتَ خيرٌ لي مِن أبي زرع لأمِّ زرع)، وهو جوابُ مثلِها في علِمها وفضلِها، فإنَّه ◙ لمَّا أخبرها أنَّه لها كهو _لفرط محبَّة أمِّ زرع له، وإحسانه إليها_ أخبرته هي أنَّه عندها أفضل وأحبُّ، والله أعلم، وفي لفظ آخر لم يكن في «المعجم»: (بأبي أنت وأمِّي، بل أنت خيرٌ لي مِن أبي زرع)، وفي لفظ: «كنتُ لكِ كأبي زرع لأمِّ زرع، في الألفة والوفاء، لا في الفرقة والخِلاء».
          قال المِزِّيُّ: (أخرجه النَّسَائيُّ بطوله في «عشرة النِّساء» عن عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن سلَّام، عن أبي عصمة ريحان بن سعيد بن المثنَّى، عن عبَّاد بن منصور، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا كلُّه، تابعه عقبة بن خالد عن هشام بن عروة، والمحفوظ حديث هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة)، انتهى، يعني: موقوفًا، والمرفوع منه ما ذكرتُه، والله أعلم.
          ثُمَّ اعلم أنَّ هذا حديث عظيم، وهو في «البُخاريِّ» و«مسلم»، وليس هو في «مسند أحمد»، وهذا شيء غريب، واعلم أنَّ المرفوع منه _كما تَقَدَّمَ قريبًا في «البُخاريِّ» و«مسلم»_ قولُه ◙: «كنتُ لكِ كأبي زرع لأمِّ زرعٍ»، ولكنَّه في النَّسَائيِّ مَرْفوعٌ كلُّه، كما قدَّمته، وقد أفرده بالتأليف القاضي العلَّامة أبو الفضل عياض اليَحصُبيُّ في مجلَّدةٍ كانت عندي، ثُمَّ خرجتْ عن ملكي، وذهبتْ في فتنة تَمُرلنك، سمَّاه «بغية الرَّائد فيما في حديث أمِّ زرع مِن الفوائد»، ذكر فيه غرائبَ وأشياءَ حسنةً، ☼ ما أكثر فوائدَه وتحقيقَه! فمَن أراد زيادة على ما أذكره هنا؛ فلينظر هذا المُؤلَّف، فإنَّه بديعٌ في بابه، وقد ذكر عليه شيخنا الشارح كلامًا كثيرًا أيضًا.


[1] في (أ): (الإخبار)، والمثبت من مصدره.