التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخرًا

          قوله: (بَابٌُ نَهَـْى النَّبِيِّ(1) صلعم عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا): قد اختُلِف متى حُرِّم نكاح المتعة على سبع روايات: (خيبر، حُنين، الفتح، أَوطاس، تبوك، عُمرة القضاء، حجَّة الوداع)، قال شيخنا: (والجمع متعيَّن؛ فيكون مَرَّاتٍ، ثُمَّ استقرَّ النَّهْيُ)، كذا قال، وفيه ما فيه، وقد قَدَّمْتُ الكلام عليه في (غزوة خيبر) بكلامٍ حَسَنٍ؛ فانظره [خ¦4216]، والله أعلم، وأنَّ الصواب أنَّها حُرِّمَت زمن الفتح، قال ابن قَيِّم الجَوزيَّة الحافظُ شمسُ الدين قال: (سمعتُ شيخ الإسلام ابنَ تيمية يقول: نكاح المتعة خيرٌ من نكاح التحليل من عشرة وجوهٍ: أحدها: أنَّ نكاح المتعة كان مشروعًا في أوَّل الإسلام، ونكاح التحليل لم يُشرع في زمنٍ من الأزمان، / الثاني: أنَّ الصَّحابة تمتَّعوا على عهد رسول الله صلعم، ولم يكن في الصَّحابة مُحَلِّلٌ قطُّ، الثالث: أنَّ نكاح المتعة مختَلف فيه بين الصَّحابة؛ فأباحه ابنُ عَبَّاس وإن(2) قيل: إنَّه رجع عنه، وأباحه ابن مسعود، ثُمَّ ساق حديثه في «الصَّحيحين»: «كنَّا نغزو مع رسول الله صلعم ليس لنا نساءٌ»...، ثُمَّ قال: «رخَّص لنا أن ننكحَ المرأةَ بالثوب إلى أجلٍ، ثُمَّ قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ}[المائدة:87[خ¦5071]، وفتوى ابنِ عَبَّاس بها مشهورةٌ، ثُمَّ قال: الرابع: أنَّ رسولَ الله صلعم لم يجِئْ عنه في لعن المستمتِع والمستمتَع بها حرفٌ واحدٌ، وجاء عنه في لعن المُحلِّل والمُحلَّل له وعن الصَّحابة ما [قد] تَقَدَّمَ _يعني: الأحاديثَ التي ذكرها، وآثارًا عن الصَّحابة [قد] ذكرها(3)_ الخامس: أنَّ المستمتِع له غرضٌ صحيحٌ في المرأة، ولها غرضٌ [أن تقيم] معه مدَّةَ النِّكاح، فغرضه المقصود بالنِّكاح مدَّة، والمُحلِّل لا غرضَ له سوى أنَّه مستعارٌ للضِّراب؛ كالتَّيس، فنكاحه غير مقصودٍ له، ولا للمرأة، ولا للوليِّ، وإنَّما هو كما قال الحسن: «مسمارُ نارٍ في حدود الله»، وهذه التسمية مطابقةٌ للمعنى، قال شيخ الإسلام: يريد الحسن: [أنَّ المسمار] هو(4) الذي يثبِّت الشيءَ المسمورَ، وكذلك هذا يثبِّت المرأةَ لزوجها وقد حرَّمها الله عليه، السادس: أنَّ المستمتِع لم يَحْتَلْ على تحليل ما حرَّم الله، فليس من المخادعين الذين يخادِعون الله؛ كما يخادِعون الصبيان؛ بل هو ناكحٌ ظاهرًا وباطنًا، والمُحلِّل ماكِرٌ مخادعٌ متَّخذٌ آيات الله هزوًا، ولذلك جاء في وعيده ولعنِه ما لم يجِئ في وعيد المستمتِع مثلُه، ولا قريبٌ منه، السابع: أنَّ المستمتع يريد المرأة لنفسه، وهذا هو سرُّ النِّكاح ومقصودُه، فيريد بنكاحه حِلَّها له، ولا يطؤها حرامًا، والمُحلِّل لا يريد حِلَّها لنفسه، وإنَّما يريد حِلَّها لغيره، ولهذا سُمِّيَ مُحَلِّلًا، وأين مَن يريد أن يُحلَّ له وَطء امرأةٍ يخاف أن يطأها حرامًا إلى مَن لا يريد ذلك، وإنَّما يريد بنكاحها أن يُحِلَّ وطأها لغيره؟! فهذا ضدُّ شرع الله ودِينِه، وضدُّ ما وُضِع له النِّكاح، الثامن: أنَّ الفِطَر السليمة...) إلى آخر كلامه، فذكر اثنَي عشرَ وجهًا، فإن أردتها؛ فانظرها، فإنَّ الكلام طال بنا فيها، والله أعلم.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (رَسُولِ اللهِ).
[2] في (أ): (فإن)، والمُثْبَت من مصدره.
[3] في (أ): (فذكرها)، ولعل المُثْبَت هو الصواب.
[4] في (أ): (وهو)، ولعلَّ المُثْبَت هو الصَّواب.