التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب حق إجابة الوليمة والدعوة

          قوله: (بَابُ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (ترجم على جواز سبعة أيَّامٍ، ولم يأتِ فيه بحديث، وقصده: الرَّدُّ على مَن أنكر اليوم الثَّالث، وقال: الثَّاني فضل، والثالث: سُمعة، فاستدلَّ البُخاريُّ على جوازه إلى سبعة ونحوها، بإطلاق الأمر بإجابة الدَّاعي غير مُقيَّدة، فاندرج فيه السَّبعة المُدَّعى أنَّها ممنوعة)، انتهى، وقد ذكر شيخنا نحوَ كلام ابن المُنَيِّر، وكأنَّه أخذه منه، ثُمَّ قال: (روى ابن أبي شيبة عن أبي أسامة، عن هشام، عن حفصة قالت: لمَّا تزوَّج أبي سيرينُ؛ دعا الصَّحابةَ سبعة أيَّام، فلمَّا كان يوم الأنصار؛ دعاهم، وفيهم أُبَيُّ بن كعب وزيد بن ثابت، قال هشام: وأظنُّها قالت: ومعاذ، فكان أُبيٌّ صائمًا، فلمَّا طعموا؛ دعا أُبَيٌّ، وأمَّن القوم، وأخرجه البَيْهَقيُّ مِن حديث مُحَمَّد عن حفصة: أنَّ سيرين عرَّس بالمدينة، فأولم فدعا النَّاس سبعًا، / وكان فيمَن دعا أُبَيَّ بنَ كعب وهو صائم، فدعا لهم بخير، وانصرف، وكذا ذكر حمَّاد بن زيد، إلَّا أنَّه لم يذكر حفصة في إسناده، وقال مَعْمَر عن أيُّوب: ثمانية أيَّام، والأوَّل أصحُّ، قال الدَّاوديُّ: جاء أنَّ الوليمة سبعةَ أيَّام، ودلَّ أنَّها فوقه رياء وسمعة).
          قوله: (بَابُ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ): أمَّا وليمة العرس إذا دعي لها؛ فواجبٌ إتيانُها، وهو فرض عين، وقيل: كفاية، وقيل: سُنَّة، وأمَّا وليمة غير النِّكاح؛ فالإجابة إليها مُستحبَّة على المذهب، وقيل: بطرد الخلاف، ومذهبُ المُؤلِّف ☼ وجوبُها؛ لقوله في «مسلم»: «عرسًا كان أو نحوه».
          تنبيهٌ: إنَّما تجب الإجابةُ أو تستحبُّ بشروط: ألَّا يخصَّ الأغنياء، وأَن يُدعَى في اليوم الأوَّل، فإن أولم ثلاثةً؛ لم تجب في الثَّاني بلا خلاف، كما في «المُحرَّر»، «والشَّرح»، «والرَّوضة»، مع أنَّ فيه وجهًا في «التَّعجيز»، ويُكرَه في الثَّالث، وألَّا يحضر لخوف أو طمع في جاهه؛ بل يكون حضورُه لمجرَّد التَّقرُّب والتَّودُّد، وألَّا يكون ثَمَّ مَن يتأذَّى به، أو لا يليق به مجالستُه؛ كأراذل، وألَّا يكون هناك مُنكَرٌ، فإن كان يزول بحضوره؛ فليحضُر، وإن كان لا يزول بحضوره؛ فيحرُم الحضورُ على الأصحِّ، ومِن المُنكَر: إذا كان هناك داعيةٌ إلى بدعة ولا يقدِر المدعوُّ على ردِّه، وما إذا كان هناك من يُضحِك بالفحش والكذب، كما صرَّح به الغزاليُّ في «الإحياء»، وإنَّما تجب إذا خصَّه بالدَّعوة، وأن يدعوه مسلمٌ، وأن يكون طعام الدَّاعي مُباحًا، فإن دعتْه امرأةٌ؛ اشترط وجود مَحرمٍ إن كانت أجنبيَّة وكان المدعوُّ رجلًا إلى دارها، ويكون المدعوُّ غير قاض، ومِن مسقطات الإجابة أيضًا الأعذار المُرخِّصة عن الجماعة، وليس مِن المُسقِطات ألَّا يكون الدَّاعي عدوًّا للمدعوِّ، ولا أن يكون في الدَّعوة مَن هو عدوٌّ له، كما صرَّح به الماورديُّ، أمَّا لو اعتذر المدعوُّ إلى صاحب الدَّعوة، فرضي بتخلُّفه؛ سقط الوجوب، ولو غلب على ظنِّ المدعوِّ أن الدَّاعي لا يتألَّم بانقطاعه؛ ففيه تردُّدٌ، حكاه في «الذخائر»، وظاهر الحديث يقتضي المنع، ولو قال الدَّاعي: إن رأيت أن تُجمِّلني؛ لزمت الإجابة، قاله في «البحر»، والشبع والزِّحام ليسا بعذرٍ، والله أعلم.
          قوله: (وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صلعم يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ): كأنَّه لم يصحَّ عنده حديث أنس الذي ذكرته أنا في (باب الوليمة حقٌّ)، وذكرت أنَّه ضعيف، ولا الأحاديث التي جاءت مثله، والله أعلم.