التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}

          قوله: (بَابُ قَوْلِهِ(1) تَعَالَى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النِّساء:4]...) إلى آخر الترجمة: ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (الترجمة مطابقة إلَّا قولَه: «وأدنى ما يجوز من الصداق»، والظاهر عندي: أنَّ البُخاريَّ اختار أنْ لا حدَّ لأكثره ولا أقلِّه، وهو قول مشهور للعلماء: أنَّ المُعتبَر فيه التَّراضي، فاستدلَّ البُخاريُّ على الكثير بقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}[النساء:20]، وعلى القليل بقوله: {أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة:236]، وإطلاقُ(2) ذلك دلَّ على أنَّه غير محدود، والله أعلم)، انتهى.
          فائدةٌ: أكثر ما رأيت في الصَّداق: أنَّ معاوية بذل لأُمامة بنت أبي العاصي مِن زينب بنت رسول الله صلعم بعد موت عليٍّ ☺ مئةَ ألف دينار، فلم تتزوَّج به، والحسن بن عليٍّ تزوَّج امرأة فأرسل إليها بمئة جاريةٍ، مع كلِّ جاريةٍ ألفُ درهم، وتزوَّج مصعب بن الزُّبَير عائشة بنت طلحة فأرسل إليها ألف ألف درهم، وقال ابن إسحاق: على مئة ألف دينار، وهذا مُتَّفِقٌ مع القول الأوَّل، ويكون الدِّينار بعشرة دراهم، ثُمَّ تزوَّجها بعد مصعب ابنُ عمِّها عمر بن عبيد الله التَّيميُّ على مئة ألف دينار، وتزوَّجت فاطمةُ بنت الحسين بعبد الله بن عمرو بن عثمان على ألف ألف، واختُلِف في أقلِّ ما يجوز فيه على أقوال؛ أحدها: أدنى ما يجب القطع فيه، الثاني: لا يكون أقلَّ من عشرة دراهم، الثالث: أربعون درهمًا، الرابع: أقله خمسون درهمًا، الخامس: خمسة دراهم، السادس: لا حدَّ لأقلِّه، ويجوز ما تراضَوا عليه، والله أعلم.
          وقوله: ({صَدُقَاتِهِنَّ}[النِّساء:4]): جمع (صَداق)، وفيه سبع لغات؛ فتح الصَّاد، وكسرها، و(صَدُقة)؛ بفتح الصاد وضمِّ الدَّال، وبضمِّ الصَّاد وسكون الدَّال، وبفتح الصَّاد مع سكون الدَّال، ويُفتحَان، ويُضمَّان، وفي «الصِّحاح» منها: أربع لغات؛ فتح الصَّاد وكسرها، و(الصَّدُقة): بفتح الصَّاد وضمَّ الدَّال، وضمِّ الصَّاد وإسكان الدَّال.
          فائدةٌ ثانيةٌ: تَقَدَّمَ في (سورة النِّساء) [خ¦4578] أنَّ الصداق له أسماءٌ نظمها بعضهم في بيت، فقال [من الطويل]:
صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ                     حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ
          وقوله: ({وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}[النِّساء:4]): قال الجوهريُّ: (القنطار معيار، ويروى عن معاذ بن جبل أنَّه قال: هو ألف ومئتا أوقية، ويقال: هو مئة وعشرون رطلًا، / ويقال: مِلءُ مَسْكِ الثَّور ذهبًا، ويقال غير ذلك، ومنه: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ}[آل عمران:14])، انتهى، وقال ابن عبد السَّلام في {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ}: {وَالْقَنَاطِيرِ}: (جمع «قنطار»، وهو ألف ومئتا أوقية، وقيل: ألف ومئة أوقية، وقيل: ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، وقيل: أربعون ألف درهم، وقيل: ما لا يُحدُّ، {الْمُقَنطَرَةِ}: المحفوظة، أو المضاعفة، أو المنضدة، أو المدفونة، أو المضروبة دراهمَ ودنانيرَ)، انتهى، والله أعلم.
          قوله: ({أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة:236]): تَقَدَّمَ أنَّ (الفريضة): من أسماء الصداق.
          قوله: (وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ): تَقَدَّمَتْ لغات (الخاتم) [خ¦65].


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (قول الله).
[2] في (أ): (فأطلق)، تبعًا للأصل من مصدره، والمثبت موافق للمطبوع.