التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الأكفاء في الدين

          قوله: (بَابُ الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ): تنبيهٌ: احتجَّ مَن منع ذلك، وخالف البُخاريَّ بأنْ قال: إنَّما نكحتْ هذه سالمًا، ونكحت زينبُ زيدًا قبل أن يُدْعَيَا إلى أبويهما، وهم يرون أن مَن تبنَّى أحدًا؛ فهو ابنه، والله أعلم، وكذا المقدادُ، فإنَّ الأسود تبنَّاه.
          تنبيهٌ ثانٍ: في «البُويطيِّ» قولٌ: إنَّ الكفاءة في الدِّين فقط، ودليله مِن حيث [السُّنَّة] قَوِيٌّ بحديثين؛ أحدهما حسنٌ، والآخر صحيحٌ، [وهما] [قوله ◙: «إذا جاءكم مَن ترضَون دينَه وخلقَه؛ فأَنكِحوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ»، رواه الترمذيُّ مِن حديث أبي حاتم المزنيِّ، وقال: حسنٌ غريبٌ، وأخرجه أيضًا من حديث أبي هريرة، وفي «صحيح ابن حِبَّان» مِن حديث أبي هريرة: «يا بَنِي بياضة(1)؛ أَنكِحوا أبا هندٍ وانكحوا إليه، وكان حجَّامًا»، فالحديثُ الأوَّل يقتضي اعتبارَ الدِّين فقط، وإن خُصَّ منه شيءٌ بدليلٍ؛ ففيما عداه، والله أعلم](2)، وشروط الكفاءة عند الشَّافِعيَّة ستَّةٌ، وقد نظمها بعض القضاة الفقهاء فقال من [الكامل]:
شَرْطُ الكَفَاءَةِ سِتَّةٌ قَدْ حُرِّرَتْ                     يُنبِيْكَ عَنْهَا بَيْتُ شِعْرٍ مُفْرَدُ
نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ                     فَقْدُ العُيُوبِ وَفِي اليَسَارِ تَرَدُّدُ
          ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (موضع الاستشهاد مِن حديث ضُبَاعة قوله: «وكانت تحت المقداد»، وضُبَاعةُ: بنت الزُّبَير بن عبد المطَّلب، بنت عمِّ النَّبيِّ صلعم، والمقدادُ: مولى حليفِ الأسود بن عبد يغوث تبنَّاه، ونُسِب إليه)، انتهى، قال ابن عَبْدِ البَرِّ في «الاستيعاب»: (نُسِب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزُّهريِّ؛ لأنَّه كان تبنَّاه، وحالفه في الجاهليَّة، فقيل: ابن الأسود، وهو المقداد بن عَمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عَمرو بن سعْدٍ البهرانيُّ، من بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وقيل: بل هو كِنديٌّ، مِن كِندة، وقال أحمد بن صالح المصريُّ: حضرميٌّ، وحالف أبوه كِندةَ، فنُسِب إليها، وحالف هو بني زُهْرة، فقيل: الزُّهريُّ...) إلى أن قال أبو عمر: (قد قيل: إنَّه كان عبدًا حبشيًّا للأسود ابن عبد يغوث، فتبنَّاه بعد أن استلاطه(3)، والأوَّل / أصحُّ وأكثر، ولا يصحُّ قول مَن قال فيه: إنَّه عبد، والصَّحيح: أنَّه بهرانيٌّ، مِن بهراء)، انتهى، والظاهر أنَّ البُخاريَّ قائلٌ بأنَّه عبدٌ للأسود، فعلى ما قاله أبو عمر، لا يصحُّ الاستدلال به، ولا البُخاريُّ يقول: إنَّ غير قريش ليسوا أكفاءً لهم، ولا غير بني هاشم والمطَّلب أكفاء لهما، والله أعلم، فإن قيل: ما وجه دخول حديث: «فاظفر بذات الدِّين...» الحديث؛ تحت تبويب البُخاريِّ؟ فالجواب: أنَّه جعل العُمدة في الزَّوجات الدِّينُ، وما هو عمدة في الزَّوجة ينبغي أن يكون عمدةً في الزَّوج، والله أعلم.


[1] في (أ): (هند)، والمثبت من مصدره.
[2] ما بين معقوفين جاء في (أ) بورقةٍ مفردةٍ ░2/208/ب)، وأولُها: (فائدةٌ: في «البويطيِّ» قولٌ: إنَّ الكفاءة في الدين وحده، ودليله من السُّنَّة قويٌّ، وهو...).
[3] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (استلحقه) والمعنى واحد، أي: ادَّعاه ولدًا. انظر «الصحاح» مادَّة (لوط).