التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين

          قوله: (القُبُلِ وَالدُّبُرِ): (القُبُل) و(الدُّبُر): مجروران؛ بدل من (المَخْرَجَيْنِ).
          قوله: (وَقَوْلِ اللهِ): هو مجرور معطوف على (مَنْ).
          قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَبَاح، أَبُو محمَّد القرشيُّ مولاهم، المكِّيُّ، أحد الأعلام، عن عائشة، وأبي هريرة، وغيرِهما، وعنه: الأوزاعيُّ، وابن جريج، وأبو حنيفة، واللَّيث، وأممٌ، مات سنة ░114هـ▒، وقيل: سنة ░115هـ▒، وله ثمانون سنةً، تقدَّم [خ¦98]، أخرج له الجماعة.
          قوله: (دُبُرِهِ): هو بضمِّ الدَّال والباء، ويجوز تسكينها، معروف.
          قوله: (الوُضُوءَ): هو بضمِّ الواوِ الفعلُ، ويجوز فتح الواو، وقد تقدَّم مرارًا [خ¦4/2-235].
          قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ الإمام، واسمُ أبي الحسن يسارٌ؛ بالمثنَّاة تحتُ في أوَّله، ثُمَّ سين مهملة، وكنية الحسن: أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وقيل غير ذلك، وأبوه يسارٌ مِن سبي ميسان، أعتقته الرُّبَيِّع بنت(1) النضر، وُلِد الحسن زمن عمر ☺، وسمع عثمان ☺، وشهد الدار وهو ابن أربعَ عشرةَ سنة، وروى عن عمران بن الحصين، وأبي موسى، وابن عَبَّاس، وخلقٍ، وعنه: ابن عون، ويونس، وأممٌ، وكان إمامًا كبيرَ الشَّأن، رفيعَ الذِّكْر، رأسًا في العلم والعمل، مات في رجب سنة عشر ومئة، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، ذكره في «الميزان» لشيءٍ(2) بدا مِنْهُ لَمْ يَقْصِده في القدر، وقد صحَّح عليه.
          قوله: (أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ(3)؛ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ): اعلم أنَّه إذا خلع خفَّيه وهو بطهر المسح؛ ففيه أربعة أقوال للعلماء؛ أحدها: استئناف الوضوء من أوَّله، وبه قال مكحول، وابن أبي ليلى، والزُّهْرِيُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد، وإسحاق، والشَّافعيُّ في القديم.
          ثانيها: يغسل رجليه مكانه، فإنْ لَمْ يفعل؛ استأنف الوضوء، وبه قال مالك واللَّيث.
          ثَالِثها: يغسلهما إذا أراد الوضوء، وبه قال الثَّوريُّ، وأبو حنيفة، والشَّافعيُّ في الجديد، والمزنيُّ، وأبو ثور.
          رابعها: أنَّه لا شيء عليه، ويصلِّي كما هو، وهو قول الحسن وقتادة، وروي مثله عنِ النَّخعيِّ، وقد اختاره النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»، وهو وجه حكاه شيخنا المؤلِّف فيما قرأته عليه في «شرح المنهاج»: «العُجَالة» عن حكاية الأستاذ أبي إسحاق الإسفراينيِّ في «مصنَّف» له في أصول الفقه، قال: (وهو غريب نقلًا، مختار دليلًا) انتهى، وقد رأيتُ أنا حديثًا في «أحكام عَبْد الحق» يشهد لهذا الحكم عن عَبْد الرزاق في «مصنَّفه» [خ¦783]: (حَدَّثَنَا معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجَنْبيِّ قال: رأيت عليًّا ☺ بال قائمًا / حتَّى أَرْغَى، ثُمَّ توضَّأ، ومسح على نعليه، ثُمَّ دخل المسجد فخلع نعليه وجعلهما في كمِّه، ثُمَّ صلَّى، قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عنِ ابن عَبَّاس ☻، عنِ النَّبيِّ صلعم بمثل صنيع هذا).
          قوله: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخرٍ، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
          قوله: (ويُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذه صيغة تمريض؛ لأنَّه لَمْ يصحَّ عنده على شرطه، وإذا أتى به مجزومًا به؛ كـ(قال)، أو (رَوى)، ونحوِ ذلك؛ فإنَّه يكون صحيحًا عنِ الذي نقله عنه، ويبقى الشأن منه إلى مَن فوقه، فتارة يكون على شرطه، وتارة لا يكون، وقد قدَّمتُ مثلَ ذلك [خ¦10]، فإنَّه لا يَجزِم بذلك عنه إلَّا وقد صحَّ عنده عنه ذلك، ثُمَّ صحَّة الحديثِ أو الأثرِ مطلقًا تتوقَّف على ثقة رجاله واتِّصاله من موضع التَّعليق، فإنْ كان فيمَن أبرزَه مَن لا يحتجُّ به؛ فليس فيه إلَّا الحكم بصحَّته عمَّن أسند إليه؛ كقول البخاريِّ: (وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم: «اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ») [خ¦5/20-469]، قال ابن الصَّلاح: (فليس هذا من شرطه قطعًا، ولذلك(4) لم يورده الحميديُّ في «جمعه بين الصَّحيحين»)، وإنْ ورد ممرَّضًا _كالذي نحن فيه_؛ كقوله: (يُروَى)، و(يُذكَر)، و(ذُكِر)(5)، و(رُوِيَ)، ونحو ذلك؛ كما قال فيما يأتي: (وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ») [خ¦8/12-616]؛ لأنَّ هذه الألفاظ استعمالها في الضَّعيف أكثر وإن استُعمِلت في الصَّحيح، وكذا قوله: (وفي الباب)، فإنَّه يستعمل في الأمرَين معًا، قال ابن الصَّلاح: (ومع ذلك؛ فإيرادُه له في أثناء «الصَّحيح» مُشعِرٌ بصحَّة أصله إشعارًا يُؤنَس به، ويُركَن إليه)، وحَمَلَ ابنُ الصَّلاح قولَ البخاريِّ: (ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلَّا ما صحَّ)، وقولَ الأئمَّة في الحكم بصحَّته؛ على أنَّ المرادَ مقاصدُ الكتاب، وموضوعُه، ومتونُ الأبواب، دون التراجم ونحوها، والله أعلم.
          وتعليق جَابر هذا أسنده أبو داود وصحَّحه ابن حبَّان من حديث ابن إسحاق؛ أخرجه أبو داود في (الطَّهارة) عن أبي توبة، عنِ ابن المبارك، عن محمَّد(6) بن إسحاق، عن صدقة بن يسار، عن عَقيل بن جَابر بن عَبْد الله الأنصاريِّ، عن أبيه به.
          قوله: (كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ): اعلم أنَّ ذات الرِّقاع كانت في السَّنة الرَّابعة، وقد ذكرها البخاريُّ قبل (خيبر)، وسيأتي في ذلك كلام في مكانه [خ¦64/31-6067]؛ فإنَّه متعقَّبٌ لا شكَّ في تعقُّبه وإن قاله بعضهم، وسُمِّيت ذات الرِّقاع؛ لأنَّهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرِّقاع(7): شجرة بذلك الموضع، وقيل: لأنَّ أقدامهم نقبت(8) فكانوا يلفُّون عليها الخرق، وهذا هو الصَّحيح(9)، وقيل: بل الجبل الذي نزلوا عليه، كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرِّقاع، وقيل: لأنَّ صلاة الخوف كانت بها(10)، فسُمِّيت بذلك؛ لترقيع الصَّلاة فيها.
          قوله: (فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ): (رُمِيَ)(11): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و(رجلٌ): مرفوع منوَّن نائب مناب الفاعل، والرجل هو عبَّاد بن بشر؛ بالموحَّدة، وبالشِّين المعجمة، والحديث في «أبي داود»، وصحَّحه ابن حبَّان، والنائم المذكور في أصل الحديث في «أبي داود»(12): هو عمَّار بن ياسر، والسورة التي قال فيه: (لَمْ أقطعها): (الكهف)، ذكر ذلك ابنُ بشكوال في «مبهماته»، وقيل: المرميُّ عمارة بن حزم، والمشهور أنَّه عبَّاد، حكى ذلك المنذريُّ، بزيادة المهاجريِّ والسورة عنِ البيهقيِّ.
          قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، واسمُ أبي الحسن يسارٌ، تقدَّم قريبًا مع بعض ترجمته.
          قوله: (وَقَال طَاوُوسٌ): هو ابن كيسان الإمام، أبو عَبْد الرَّحمن اليماني، من أبناء الفُرس، وقيل: اسمه ذكوان فلُقِّب؛ فقال ابن معين: (لأنَّه كان طاووسَ القُرَّاء)، روى عن أبي هريرة، وابن عَبَّاس، وعائشة، وغيرِهم، وعنه: الزُّهْرِيُّ، وسُلَيْمَان التيميُّ، وابنُه عَبْد الله بن طاووس، قال عمرو ابن دينار: (ما رأيت أحدًا مثله قطُّ)، انتهى، كان رأسًا في العلم والعمل، تُوُفِّيَ بمكَّة سنة ░106هـ▒، أخرج له الجماعة.
          قوله: (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ): يحتمل أنْ يكون هذا(13) الباقر، ويحتمل أنْ يكون ابن الحنفيَّة، ولم يتعرَّض شيخُنا لعزوِ أَثَره، [وقد عزاه بعض حفَّاظ العصر إلى «فوائد سمُّويه»(14)](15)(16)، فإنْ كان الباقر؛ فهو أبو جعفر محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ الباقرُ، أمُّه أمُّ عَبْد الله بنتُ السيِّد الحسن ☺، يروي عن أبويه، وجَابر، وابن عمر، وغيرِهم، وعنه: ابنه جعفر الصَّادق، والزُّهْرِيُّ، وابن جريج، والأوزاعيُّ، وغيرُهم، ولد سنة ░56هـ▒، ومات سنة ░118هـ▒ على الأصحِّ، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة(17)، [وهذا أرجح الاحتمالين فيما ظهر لي، وذلك لأنَّ الباقرَ من فقهاء أهل المدينة وأئمَّتهم، ولأنَّ وفاتَه(18) قريبةٌ من وفاة طاووس، بخلاف ابن الحنفيَّة، فإنَّه متقدِّمُ الوفاةِ عليهما، ولأنَّ(19) البخاريَّ لو أراد ابن الحنفيَّة؛ قدَّمه على طاووس لِقِدَمه، والله أعلم، وجزم به بعض حفَّاظ العصر](20)، وإنْ كان ابنَ الحنفيَّة؛ فهو ابن عليِّ بن أبي طالب، وقد تقدَّم بعض ترجمته [خ¦132]، تُوُفِّيَ سنة ثمانين، أخرج له الجماعة.
          قوله: (وَعَطَاءٌ): تقدَّم أنَّه ابن أبي رباح، وتقدَّم بعض ترجمته.
          قوله: (بَثْرَةً): هي بإسكان الثَّاء المثلَّثة؛ وهي خُرَاج صغير.
          قوله: (فَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم أنَّه يجوز فيه: يتوضَّ، ويتوضَّأ، ويتوضَّا، من حيث العربيَّةُ [خ¦138].
          قوله: (وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى): هو عَبْد الله بن أبي أوفى، واسمُ أبي(21) أوفى علقمةُ(22) بن خالد، صحابيٌّ _عبد الله_ ابن صحابيٍّ ☻، الأَسْلَميُّ، عنه: عمرو بن مُرَّة وابن أبي خالد، تُوُفِّيَ سنة ░86هـ▒ بالكوفة، أخرج له الجماعة، وهو مشهور التَّرجمةِ والمناقبِ ☺، [وقد عزا أثرَه بعضُ حفَّاظ العصر إلى ابن أبي شيبة [خ¦1343]، قال: (ورواه عبد الرزَّاق [خ¦571]...)؛ فذكره](23).
          قوله: (وَالحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريّ يسار، تقدَّم بعض ترجمته قريبًا.


[1] في (ج): (سبي شيبان، أعتقه الربيع بن).
[2] في (ب) و(ج): (بشيء).
[3] في (ج): (خفه).
[4] في (ب): (وكذلك).
[5] (وذكر): ليس في (ج).
[6] (محمد): ليس في (ب).
[7] زيد في (ج): (الرِّقاع).
[8] في (ج): (تعبت).
[9] زيد في (ج): (إن شاء الله)، وضرب عليها في (أ).
[10] في (ج): (فيها).
[11] في (ب): (فرُمي).
[12] (في «أبي داود»): ليس في (ب).
[13] في (ج): (هو).
[14] في (ب): (طوائف حمويه).
[15] ما بين معقوفين ليس في (ج)، وانظر «فتح الباري» ░1/338▒، «تغليق التعليق» ░2/117▒.
[16] (السِّتة): ليس في (ب)، انظر «تهذيب الكمال» ░26/136▒ ░5478▒.
[17] في (ج): (وفاتهم).
[18] في (ج): (ولو أنَّ).
[19] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: («فوائد سمويه»)، وقوله: (وجزم به بعض حفَّاظ العصر): ليس في (ج).
[20] (أبي): ليس في (ب).
[21] في (ب): (علية)، وزيد فيها: (بن أبي أوفى).
[22] ما بين معقوفين ليس في (ب) و(ج)، انظر «تغليق التعليق» ░2/120-121▒، وقال في «الفتح» ░1/338▒: (وصله سفيان الثوريُّ في «جامعه» عن عطاء بن السائب: أنَّه رآه فعل ذلك، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإسناد صحيح).
[23] ما بين معقوفين ليس في (ب) و(ج)، انظر «تغليق التعليق» ░2/120-121▒، وقال في «الفتح» ░1/338▒: (وصله سفيان الثوريُّ في «جامعه» عن عطاء بن السائب: أنَّه رآه فعل ذلك، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإسناد صحيح).