التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب استعمال فضل وضوء الناس

          (بَابُ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ)... إلى (بَاب المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ)
          قوله: (وَضُوءِ): هو بفتح الواو، ويجوز ضمُّها، تقدَّم مرارًا(1) [خ¦4/2-235].
          سؤال: إن قيل: ترجم البخاريُّ ☼ على (استعمال فضل الوَضوء)، ثُمَّ ذكر حديث السِّواك _أعني: أثر جرير_ والمجَّة، فما وجهه؟
          والجواب: ذكره ابن المُنَيِّر فقال: (قلت: مقصوده الرَّدُّ على من زعم أنَّ الماء المستعمل في الوضوء لا يُتطهَّر به؛ لأنَّه ماء الخطايا، فبيَّن أنَّ ذلك لو كان صحيحًا وأنَّ الخطايا تُحْدِث في عين الماء شيئًا يُنافي الاستعمال؛ لكان نجسًا؛ لأنَّ النَّجسَ المبعَدُ، والخطايا يجب إبعادُها شرعًا، ومع ذلك فيجوز استعماله لغير الطَّهارة؛ كالتبرُّك، والتعوُّذ، ونحوه، هذا إن احتجُّوا بأنَّه ماء الخطايا، وإن احتجُّوا بأنَّه مضاف؛ فهو مضافٌ إلى طاهرٍ لم يتغيَّر به؛ لأنَّ الرِّيق الذي يُخالطه عند المضمضة مثلًا طاهرٌ؛ بدليل حديث السِّواك والمجَّة، وكذلك ما لعلَّه(2) يخالطه من غبرات الأعضاء بطريق الأَولى؛ لأنَّها موهومة لا محقَّقة، والله أعلم) انتهى.
          قوله: (وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو البَجَليُّ جرير بن عَبْد الله بن جَابِر _وهو الشَّليل_ بن مالك بن نَصْر بن ثعلبة بن جُشَم بن عوف، أبو عَمرو البَجَليُّ، واختلفوا في بَجِيلة؛ فمنهم من جعلهم من اليمن، وهو الأكثر، وقيل: هم من نزار بن(3) معدٍّ، قاله مصعبٌ الزُّبيريُّ، وبجيلة: اسم أمِّهم، وكان جَرير مليحًا، بديعَ الجَمَال، قال النَّبيُّ صلعم: «على وجهه مَسْحة مَلَك»، وعن عُمر ☺ قال: (جَرير يوسف هذه الأمَّة)، وهو سيِّد قومه، ولمَّا دخل على النَّبيِّ صلعم؛ أكرمه، وقال: «إذا أتاكم كريم قوم؛ فأكرموه»، أسلم جَرير قبل وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام ووفد عليه قبل موته بأربعين يومًا فيما قيل، وهذا لا يصحُّ؛ لما في «البخاريِّ» وَ«مسلم» عنه: قال لي النَّبيُّ صلعم في حجَّة الوداع: «استنصتِ النَّاس» [خ¦121]، وإنَّما قدم سنة عشر في رمضان فبايعه وأسلم، كما قاله ابن قتيبة، وقد جزم بعض المصنِّفين بأنَّه قدم في رمضان _كما قاله ابن قتيبة_ فأرسله عليه الصَّلاة والسَّلام إلى ذي الخَلَصَة في مئة(4) وخمسين راكبًا، فحرقها، وقال: يا رسول الله؛ إنِّي لا أثبت على الخيل، فصكَّه في صدره، وقال: «اللهمَّ؛ اجعله هاديًا مَهْديًّا» [خ¦3020].
          روى عنه: قيس، والشَّعبيُّ، وهمَّام بن الحارث، وأبو زرعة حفيدُه، وأبو وائل، سكن الكوفة، ثمَّ قَرْقِيساء، فمات بها بعد الخمسين، قال(5) النَّوويُّ في «تهذيبه»: (سنة أربع وخمسين)، نقله عنِ ابن قتيبة، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكذا في «الكاشف» للذهبيِّ.
          واعلم أنِّي اجتمعت باثنين في مكَّة من طلبة الحديث، ذكر لي أحدهما أنَّه من بَجِيلة، وأنَّه خادمُ قبر جَرير هناك، وسألني عن مَدْفَنه أين هو؟ فلعلَّه نُقِل بعد دفنه في قَرْقِيساء، أو أنَّه لَمْ يُدفَن بها، بل حُمِل منها ودُفِن ببجيلة، والله أعلم، أخرج له الجماعة.


[1] في (ج): (مرات).
[2] في (ب): (لغسله).
[3] زيد في (ب): (بني).
[4] في (ج): (ثمانية).
[5] في (ب): (وقال).