التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

          قوله: (الْعَنَزَةِ): هي بِفَتْحِ العين المهملة، ثمَّ نون مثلها، ثمَّ زاي مثلها، ثمَّ تاء؛ وهي عَصًا في أسفلها زُجٌّ من حديد، وهل هي قَصِيرَة أم طويلة؟ / فيه اضطراب لأهل اللُّغة، صحَّح الأولَ القاضي عياض، والثَّاني النَّوويُّ، وقال: (قال أَبُو عبيد: هي مثل نصف الرُّمْح وأطول، فيها سِنَان مثل سنان الرُّمح، قال بعضهم: لكنَّ سنانها في أسفلها بخلاف الرُّمح، فإنَّ سنانه في أعلاه) انتهى.
          فائدة: هذه الْعَنَزَة أَهْدَاهَا النَّجَاشِيُّ لِلنَّبِيِّ صلعم، وقال أَبُو الفتح اليَعْمُريُّ في «سيرته» في (ذكر فرض صيام رمضان) عن «طبَقَات ابنِ سَعْد» عنِ الواقديِّ بأسانيد له في ذلك عن عائشة وابن عمر وأبي سعيد الخدريِّ ما لفظه: (وكان تُحمَل العنَزَة بين يديه، وكانت للزُّبير بن العوَّام، قَدِم بها من أرض الحبشة، فأخذها منه رسول الله صلعم) انتهى، وهذا في هذا «الصَّحيح» [خ¦3998] في (باب) بغير ترجمة بعد (باب شهود الملائكة بدرًا) انتهى، قال شيخنا الشَّارح: (وكان عليه الصَّلاة والسَّلام يستصحبها معه؛ ليصلِّي إليها في الفضاء، قيل: وليتَّقي بها كيد المنافقين واليهود، فإنَّهم كانوا يرومون اغتياله، وذكر بعض أهل العلم أنَّ لها(1) فوائدَ: دفع العدوِّ، واتِّقاء السبع، ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة؛ خشية الرشاش، وتعليق الأمتعة، والتوكُّؤ عليها، والسترة بها في الصَّلاة)، وقال أيضًا شيخنا: (ويبعد أن يكون يستتر(2) بها في قضاء الحاجة، وإنْ كان في تبويب البخاريِّ ما قد يوهمه، فإنَّ ضابط السترة ما يستر الأسافل) انتهى.
          وقد رأيتُ قطعةً من هذه العَنَزَة في الآثار الشريفة بمصر ومعها آثارٌ من آثاره صلعم غيرُها؛ مثل: المِرْوَد الذي كان يكتحل به، والمِخْصَف، وقطعة من القَصْعة، ومِنْقَاش صغير وهو المِنْمَاص، وكأنَّه للشوك إذا دخل في الرِّجل أو غيرها؛ لإخراج ذلك، وقد زرت ذلك مرَّات، واكتحلتُ بالمِرْوَد، وشربتُ من ماءٍ وضعتُ فيه القطعة(3) من العَنَزَة والقطعة من القَصْعة، وقد أنشدني الإمامُ الأديبُ جلالُ الدِّين مُحَمَّد بن خطيب(4) داريَّا الدِّمَشْقيُّ بسوق الكتب بالقاهرة في الرحلة الأولى لنفسه في الآثار الشريفة حين زارها: [من الكامل]
يَا عَيْنُ إِنْ بَعُدَ الحَبِيبُ ودَارُهُ                     وَنأَتْ مرَابِعُهُ وشَطَّ مَزارُهُ
فَلَكِ الهَنَاءُ لَقَدْ ظَفِرتِ بِطَائِلٍ                     إِنْ لم تَرَيْهِ فهذِهِ آثَارُهُ


[1] في (ج): (له).
[2] في (ب): (يستر).
[3] في (ج): (القصعة).
[4] في (ب): (الخطيب).