التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الزيارة يوم النحر

          قوله: (وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ...) إلى آخره: قال الدِّمياطيُّ: (هو أبو الزُّبير مُحَمَّد بن مسلم المكِّيُّ، روى عن عائشةَ وابنِ عبَّاس: «أنَّ النَّبيَّ صلعم أخَّر طواف يوم النَّحر إلى اللَّيل»، رواه أبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه من حديث سفيان الثَّوريِّ عن أبي الزُّبير عنهما، قال التِّرمذيُّ: حديث حسن) انتهى، وكذا عزاه المِزِّيُّ في «أطرافه» إلى أصحاب الكتب الأربعة كما ذكره(1) الحافظ الدِّمياطيُّ، والله أعلم(2).
          تنبيهٌ: ما رواه أبو الزُّبير عن عائشة وابن عبَّاس غلطٌ بيِّنٌ خلاف المعلوم من فِعله الذي لا يشكُّ فيه أهل العلم بحَجَّته صلعم، قال التِّرمذيُّ في «علله»: (سألتُ مُحَمَّدَ بن إسماعيل عن هذا الحديث، وقلت له: سمع أبو الزُّبير من عائشة وابن عبَّاس؟ قال: أمَّا ابن عبَّاس، فنعم، وإنَّ في سماعه من عائشة نظرًا)، وقال أبو الحسن بن القطَّان: (عندي أنَّ هذا الحديث ليس بصحيح، إنَّما طاف النَّبيُّ صلعم يومئذ نهارًا)، إلى أن قال: (وهذا شيءٌ لم يُروَ(3) إلَّا من هذه الطَّريق، وأبو الزُّبير مُدلِّس، ولم يذكر هنا سماعًا من عائشة، وقد عُهِدَ أنَّه يروي عنها بواسطة، ولا أيضًا من ابن عبَّاس، فقد عُهِد كذلك يروي عنه بواسطة وإن كان قد سمع منه؛ فيجب التوقُّف فيما يرويه أبو الزُّبير عن عائشة وابن عبَّاس ممَّا لا(4) يذكر فيه سماعه منهما؛ لِمَا عُرِف به من التَّدليس ولو عُرِف سماعُه منهما لِغَيْرِ هذا، فأمَّا ولم يصحَّ لنا أنَّه سمع من عائشة؛ فالأمر بيِّن في وجوب التوقُّف...) إلى آخر كلامه، وهو حسنٌ مليح، ويدلُّ على غلطه على عائشة: أنَّ أبا سلمة روى عنها قالت: (حججنا مع النَّبيِّ صلعم فأفضنا يوم النَّحر) [خ¦1733]، وقد غلط عليها أيضًا(5) ابنُ إسحاق(6) فيما رواه عن عبد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها: (أنَّه ╕ أَذِنَ لأصحابه، فزاروا البيت يوم النَّحر ظهيرة، وزار رسول الله صلعم مع نسائه ليلًا)، قال البيهقيُّ: (وأصحُّ هذه الرِّوايات حديثُ نافع عن ابن عمر، وحديث جابر، وحديث أبي سلمة عن عائشة)؛ يعني: أنَّه طاف نهارًا، وقد ذكر ابنُ القيِّم في «الهَدْي» سببَ الغلط، فإن أردته، فانظره، والله أعلم.
          قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): (أبو حسَّان) هذا: هو الأعرج البصريُّ الأحرد، واسمُه مسلمُ بن عبد الله، روى عن عليٍّ، _وهو مرسل، كما قاله أبو زرعة، وأبو حاتم_ وعائشةَ، وأبي هريرة، وعبدِ الله بن عَمرو، وابنِ عبَّاس، وعِمران بن حُصَين(7)، وعَبِيدة السَّلْمانيِّ، والأسودِ، وآخرين، وعنه: قتادةُ وعاصمٌ الأحول، وثَّقه ابنُ مَعِين، وقال أبو زرعة: (لا بأس به)، أخرج له تعليقًا _كما ترى(8)_ البخاريُّ، وأخرج له مسلمٌ والأربعةُ، وقوله: (ويُذكَر): هذه صيغة تمريض، كما تقدَّم، والمذكور عنه لم يصحَّ على شرطه عنده، وتعليقُه هذا انفرد به البخاريُّ من بين أصحاب الكتب السِّتَّة، قال شيخُنا الشَّارح وابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي» _واللَّفظ لابن القيِّم_: (ورواه ابن عَرْعَرة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابًا، قال: سمعته من أبي ولم يقرأه، قال: فكان فيه: عن أبي حسَّان، عن ابن عبَّاس ☻: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يزور البيت كلَّ ليلة ما دام في منًى»، وما رأيتُ أحدًا واطأه عليه، انتهى، ورواه الثَّوريُّ في «جامعه» عن ابن طاووس، عن أبيه مرسلًا)، قال ابن القيِّم: (وهو وهم، فإنَّ النَّبيَّ صلعم لم يرجع إلى مكَّة بعد أن طاف للإفاضة، وبقي في منًى إلى حين الوداع، والله أعلم)، انتهى لفظه، وما رواه ابن عَرْعَرة عزاه شيخُنا الشَّارحُ إلى البيهقيِّ، ثمَّ قال: (ورواه ابن أبي شيبة عن سفيان بن عُيينة، عن ابن طاووس)، انتهى، وقد ذكره الذَّهبيُّ في ترجمة إبراهيم بن مُحَمَّد بن عَرْعَرة في «الميزان»، فقال: (قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله _يعني: أحمد ابن حنبل_: يُحفظ عن ابن عبَّاس: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يزور البيت كلَّ ليلة»؟ فقال: كتبوه من كتاب معاذ، ولم يسمعوه، فقلت: إبراهيم بن مُحَمَّد بن عَرْعَرة يزعم أنَّه سمعه، فتغيَّر وجهُ أحمدَ، ونفض يده، وقال: كذبٌ، ما سمعوه منه، واستعظم ذلك، قال ابن المدينيِّ: روى قتادةُ حديثًا / غريبًا، تفرَّد به هشام عنه، قال: حَدَّثَنَا أبو حسَّان عن ابن عبَّاس: «أنَّ رسولَ الله صلعم كان يزور البيت كلَّ ليلة ما أقام»، قال عليٌّ: فنسخته من كتاب معاذ بن هشام وهو حاضر، ولم أسمعه منه، فقال لي معاذ: هاتِ حتَّى أقرأه، قلت: دعْه اليوم، [قال الخطيب]: فما الذي يمنع أن يكون ابنُ عَرْعَرة سمعه من معاذ؟) انتهى ما ذكره الذَّهبيُّ في ترجمة إبراهيم بن مُحَمَّد بن عرعرة السَّاميِّ ممَّا يتعلَّق بهذا الحديث، وقد صحَّح الذَّهبيُّ على ابن عرعرة هذا، فهو عنده ثقة، والله أعلم.


[1] في (ج): (رواه).
[2] (أعلم): سقط من (ب).
[3] في (ج) و(ب): (نره)، وهي في (أ) محتملة.
[4] في (ج): (لم).
[5] زيد في (أ) و(ج): (ما رواه)، ولا يستقيم.
[6] في (ب) بدل (ابن إسحاق): (قيل نحو).
[7] في (ب) و(ج): (الحصين).
[8] في (ج): (يروي).