التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم

          قوله: (باب مَنْ أَشْعَرَ): الإشعار للبدن مُستحبٌّ، [و]هو أن يجرحَهَا في صفحة سنامها الأيمن بحربة، أو مدية، أو حديدة، ثمَّ يَسْلُتُ الدَّم عنها؛ فيُعلَم أنَّها هدي، هذا عند الحجازيِّين، وأمَّا العراقيُّون، فالإشعار عندهم: هو تقليدها بقلادة، وقال السُّهيليُّ: (الإشعار: هو خلافُ قولِ النَّخَعيِّ وأهلِ الكوفة في قولهم: إنَّ الإشعارَ منسوخٌ بنهيه ╕ عن المُثْلة)، قال السُّهيليُّ: (فيُقَال لهم: إنَّ النَّهي عن المُثلة كان بإثر غزوة أحد، فلا يكون النَّاسخ متقدَّمًا على المنسوخ) انتهى، ونقل(1) شيخُنا عنِ الطَّحاويِّ ما لفظه: (أبو حنيفة لم يكره أصل الإشعار، وإنَّما كره ما يُفعَل على وجه يَخَاف منه هلاكًا؛ لسراية الجرح، لا سيَّما في حرِّ الحجاز مع الطَّعن بالسِّنان، أو الشَّفرة؛ فأراد سدَّ الباب على العامَّة؛ لأنَّهم لا يراعون الحدَّ في ذلك، وأمَّا مَن وقف على الحدِّ، فقطع الجلدَ دون اللَّحم؛ فلا يُكرَه)، [قال شيخُنا]: (وذكر الكرمانيُّ عنه استحسانَه(2) قال: «وهو الأصحُّ، لا سيَّما إنْ كان بمِبْضَع ونحوِه، فيصير كالفصد والحجامة»).
          تنبيهٌ: الإشعار سُنَّة؛ للأحاديث الصَّحيحة، ولا نظر إلى ما فيه من الإيلام؛ لأنَّه لا منع إلَّا ما منعه الشَّرع، وهذا الإيلام شبيهٌ بالوسم، وقد ذكر أصحابُ الشَّافعيِّ للإشعارِ فوائدَ؛ منها: تمييزها إذا اختلطت بغيرها، ومنها: إذا ضلَّت، عُرِفت، ومنها: أنَّ السَّارق ربَّما ارتدع فتركها، ومنها: أنَّها قد تُعطَب فتُنحَر، وإذا رأى المساكين عليها العلامة، أكلوها، ومنها: أنَّ المساكين يتبعونها إلى المَنْحَر، لينالوا منها، ومنها: إظهار هذا الشِّعار العظيم، ومنها: حثٌّ لغيره على التَّشبُّه به.
          تنبيهٌ: هل يقدِّم التَّقليد على الإشعار، أم يؤخِّرُه؟ وتقدُّمُه هو المنصوص، وصحَّ ذلك من فعلِ ابنِ عُمرَ، والوجهُ الآخَرُ فيه حديثٌ في «البخاريِّ» و«مسلم»: «ثمَّ أشعرها وقلَّدها(3)» [خ¦1699]؛ يعني: النَّبيَّ صلعم، وقال صاحبُ «البحر»: (إنَّه إن قرن هَدْيَين في حبل، أشعر أحدَهما في الصَّفحة اليُمنى، والآخَرَ في اليُسرى، ليُشاهَدا)، والله أعلم.
          قوله: (يَطْعُـَنُ): بضمِّ العين وفتحها، لغتان، تقدَّم [خ¦334]، وكذا تقدَّم (قِبَل): أنَّه بكسر القاف وفتح الموحَّدة.


[1] في (ج): (وقد ذكر).
[2] في (ب): (استحبابه)، وفي (ج): (مستحسنًا به).
[3] في (ب): (ولدها)، وهو تحريف.