التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب مهل أهل مكة للحج والعمرة

          قوله: (بَابُ مُهَلِّ): هو بضمِّ الميم، وفتح الهاء: وهو مكان الإهلال، وهذا ظاهرٌ.
          قوله: (لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ): ذكر فيه حديث ابن عبَّاس ☻: (أنَّه ╕ وقَّت لأهل المدينة ذا الحُلَيْفة...) إلى أنْ قال: (حتَّى أهلُ مكَّةَ يهلُّون من مكَّة)، ظاهر هذه الترجمة مع الاستدلال بهذا الحديث: أنَّ أهل مكَّة يهلُّون منها للحجِّ والعمرة، قال المحبُّ الطَّبريُّ في «أحكامه»: (ولا أعلم / أحدًا جعل مكَّة ميقاتًا للعمرة في حقِّ المكِّيِّ، بل عليه أن يخرج إلى أدنى الحلِّ، كما أمر ╕ عبدَ الرَّحمن(1) وعائشةَ، وذلك مع انتظاره وجملةِ الحجيج لهما أدلُّ دليل على اعتبار ذلك، ثمَّ فِعْلُ مَن جاور مِن الصَّحابة بمكَّة، ثمَّ التابعين(2) إلى اليوم، وذلك إجماع في كلِّ عصرٍ، فلو خالف وأحرم منها أو من الحرم، انعقد إحرامه بها على المشهور، وهل يُعتدُّ بطوافه وسعيه قبل الخروج إلى الحلِّ؟ فيه للشَّافعيِّ قولان)، قال: (فإن قلنا: يُعتَدُّ؛ لزمه دمٌ؛ كمَن أحرم من دون الميقات ولم يرجع إليه)، انتهى، وقال في «مناسكه» نحو(3) ذلك.
          وقال شيخنا الشَّارح: (قال مالك: ما رأيت أحدًا أحرم بعمرة من الحرم، ولا يُحْرِم أحدٌ بعمرةٍ من مكَّة، ولا تصحُّ العمرة عند جميع العلماء إلَّا من الحلِّ لمكِّيٍّ وغيره)، انتهى، والظَّاهر أنَّ هذا كلَّه من كلام مالك.
          وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم» في (بَاب وجوه الإحرام) في وسط الكلام على هذا الباب: (قال جمهور العلماء: إنَّه يجب الخروج لإحرام العمرة إلى أدنى الحلِّ، وإنَّه لو أحرم بها في الحرم، لزمه دم، وقال عطاء: لا شيءَ عليه، وقال مالك: لا يُجزِئه حتَّى يخرج إلى الحلِّ، قال القاضي عياض: «وقال قوم: لا بدَّ من إحرامه من التَّنعيم خاصَّة، قالوا: وهو ميقات المعتمرين من مكَّة»، وهذا شاذٌّ مردودٌ، والذي عليه الجماهير: أنَّ جميع جهات الحلِّ سواء، ولا يختصُّ بالتَّنعيم، والله أعلم)، انتهى، والظَّاهر أنَّ مَدْرك صاحب هذا القول حديثٌ في «مراسيل أبي داود» من حديث ابن سيرين قال: (وقَّت رسول الله صلعم لأهل مكَّة التَّنعيم)، ثمَّ قال أبو داود: (قال سفيان: هذا لا يكاد يُعرَف)، انتهى، وهذا غريبٌ، وقد رواه أبو داود عن أحمد ابن يونس، عن فضيل، عن هشام، عن ابن سيرين، لكن لو حُمِل(4) كلام البخاريِّ على ما إذا أراد القِرَان مَن بمكَّة، فإنَّه يكفيه الإحرام مِن مكَّة على الأصحِّ عند الشَّافعيَّة، والله ╡ أعلم، وكان سائغًا غير أنَّه إن كان من حاضري المسجد الحرام؛ فإنَّه لا يلزمه دم، وإلَّا؛ فيلزمه دم، والله أعلم.


[1] زيد في (ب): (بن أبي بكر).
[2] في (ب): (التابعون).
[3] في (ج): (مثل).
[4] زيد في (ب): (هذا الكلام أي).