التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما ذكر في الحجر الأسود

          قوله: (بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الأَسْوَدِ): اعلم أنَّ الحَجَرَ جاءت فيه أحاديثُ كثيرةٌ، فعند التِّرمذيِّ منها: «أنَّه نزل من الجنَّة أشدَّ بياضًا من اللَّبن، فسوَّدَتْه خطايا بني آدم»، وقال: حسن صحيح، وعنده أيضًا: «إنَّ لهذا الحجر لسانًا وشَفَتين، يشهد لِمَنِ استلمه يوم القيامة بحقٍّ»، وقال: حسن، والحاكم وقال: (صحيح الإسناد، وله شاهدٌ صحيحٌ عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «يأتي الرُّكن والمقام يوم القيامة أعظم من أبي قبيس، له لسان وشفتان يكلِّم عمَّن استلمه بالنِّيَّة، وهو يمين الله التي يصافح بها عباده»)، وفيه أحاديثُ كثيرةٌ، وبعضُها ذكره شيخُنا المؤلِّف، ومن أغربها: ما رفعه عبد الله بن عُكَيم المُحدِّث: «إنَّ الحجرَ الأسودَ يطفو على الماء، ولا يسخن بالنَّار إذا أُوقِدت عليه»، وللحديث قصَّةٌ: فأحضر القرمطيُّ طستًا فيه ماء، ووضع الحجر فيه فطفا على الماء، ثمَّ أُوقِدت عليه النَّار، فلم يحمَ بها، فمدَّ عبد الله المُحدِّث يده وأخذ الحجر وقبَّله، وقال: (أشهد أنَّه الحجر الأسود)، فتعجَّب القرمطيُّ من ذلك، وقال: هذا دِين مضبوط بالنَّقل.
          تنبيهٌ: كان الحجر الأسود قد أخذه القرمطيُّ من مكَّة، وتمَّ عنده اثنتين وعشرين سنةً إلَّا شهرًا، ثمَّ أُعيد إلى موضعه في ذي الحجَّة، سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة، والله أعلم، وقيل: أقام عند القرامطة ثمانيًا وعشرين سنةً، وهذه القصَّة تقتضي أنَّ مجيءَ القرمطيِّ بالحجر كان بحضور ابن عُكيم، وهذا التأريخ مع حضور ابن عُكيم فيه نظرٌ مع قولهم: (إنَّ آخِرَ مَن مات من التَّابعين خلفُ بنُ خليفةَ)، وقد تُوُفِّيَ خلف سنة ░181هـ▒، عاش(1) تسعين سنةً، مع أنَّ ابن دحية قال: عبد الله هذا لا يُعرَف، انتهى، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه ذكره ابنُ حِبَّان في «الثِّقات»، بل عدَّه بعضُهم صحابيًّا، وقد روى عنه عدلان، بل أكثر، والصَّحيح: أنَّه مُخَضْرَمٌ، ولم يسمع منه ╕، وقد روى عنه جماعةٌ.


[1] في (ب): (سنة إبلاغًا من).