التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما جاء في زمزم

          قوله: (باب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ): اعلم أنَّ مياه الأرض تُرفَع قبل يوم القيامة غير زمزم.
          فائدةٌ: حديث: «ماء زمزم لما شرب له» رواه ابن ماجه، وفي سنده عنده عبدُ الله بن المُؤمَّل، وهو ضعيف، قاله ابنُ مَعِين، وقال أحمد ابن أبي مريم عن يحيى: (ليس به بأس، عامَّةُ حديثِه مُنكَرٌ)، وقال أحمدُ: (أحاديثُه مناكيرُ)، وروى عبَّاسٌ عن يحيى: (صالح الحديث)، وقال النَّسائيُّ والدَّارقطنيُّ: (ضعيف)، وقد ذكر له الذَّهبيُّ في «الميزان» أحاديثَ مناكيرَ؛ منها حديثُ: «ماء زمزم لما شرب له»، واعلم أنَّ هذا الحديث رواه أيضًا البيهقيُّ كما رواه ابنُ ماجه من رواية ابن المُؤمَّل، قال شيخنا(1) في «شرح المنهاج»: (لا، بل تابعه عليه إبراهيمُ بنُ طَهمان، عن أبي الزُّبير، كذا أخرجه البيهقيُّ نفسُه في «سُننه» فيما بعدُ [في] «باب الرُّخصة في الخروج بماء زمزم»، وكأنَّ البيهقيَّ تبع العُقيليَّ في ذلك، فإنَّه قال: «رواه عبد الله بن المُؤمَّل، ولا يُتابَع عليه») انتهى، وقد رأيتُ الذَّهبيَّ في «ميزانه» عقَّب الحديث المذكور بقوله: (رواه عبدُ الرَّحمن بن المغيرة، عن حمزةَ الزَّيَّاتِ، عن أبي الزُّبير)، فتابعه حمزةُ أيضًا، قال شيخُنا: وعبد الله بن المُؤمَّل صحَّح الحاكمُ حديثَه في «مستدركه» في «كتاب الطَّلاق» وغيرِه، وأعلَّه ابنُ القطَّان بتدليس أبي الزُّبير عن جابر، وقد زال التَّدليس؛ إذ في «سنن ابن ماجه» التَّصريحُ بالتَّحديث، وكذا في «سنن البيهقيِّ»، ولهذا الحديث طريقٌ على شرط مسلم أخرجه البيهقيُّ في «شعب الإيمان» من حديث سويد بن(2) سعيد، عن ابن المبارك، عن ابن أبي الموالي، عن ابن المنكدر، عن جابر ☺ مرفوعًا به سواء، ثمَّ(3) قال: (تفرَّد به سويد بن سعيد عن ابن المبارك).
          [قال بعض الحُفَّاظ المتأخِّرين كما رأيته بخطِّه: (سويد تغيَّر، وقد أخرجه ابنُ المُقرِئ في «فوائده» من وجهٍ آخَرَ عنِ ابنِ المبارك، عن عبد الله بن المُؤمَّل، وهو المحفوظ، ورواية سعيد منكَرة لم يُتابَع عليها)، انتهى](4).
          قال(5) شيخُ شيوخِنا الحافظُ أبو مُحَمَّد عبدُ المؤمن بن خلف الدِّمياطيُّ: (هذا حديث على رسم «الصَّحيح»، فإنَّ عبدَ الرَّحمن بن أبي الموالي انفرد به(6) البخاريُّ، وسويد بن سعيد انفرد به مسلم) انتهى، وقد جمع ذلك في جزء، وهو عندي.
          قال بعضُ شيوخي(7): (والمعروف رواية عبد الله بن المُؤمَّل عن ابن المنكدر، كما رواه ابنُ ماجه، وضعَّفه النَّوويُّ وغيرُه من هذا الوجه، وطريق ابن عبَّاس أصحُّ من طريق جابر)، انتهى، قال بعض الحُفَّاظ المتأخِّرين _كما رأيته بخطِّه_: (إنَّما رواه ابنُ ماجه من رواية عبد الله بن المُؤمَّل، عن أبي الزُّبير، عن جابر، لا عن مُحَمَّد بن المنكدر)، انتهى، وصدق، فقد رأيتُه في (الحجِّ) عن هشام بن عمَّار، عن الوليد قال: قال عبد الله بن المُؤمَّل به.
          وقد رُوِي هذا الحديث من طريق آخَرَ عن ابن عبَّاس، أخرجه الحاكمُ في «مستدركه» من حديثه مرفوعًا، قال الحاكم: (حديث صحيح الإسناد إنْ سَلِم من(8) مُحَمَّد بن حبيب الجاروديِّ)؛ يعني: الذي في إسناده، قال بعض شيوخي: وقد سَلِم منه، فإنَّه قدم بغداد وحدَّث بها، وكان صدوقًا، وبالجملة: فقد سُئِل سفيان بن عُيَينة عن حديث ماء زمزم فقال: (حديث صحيح)، أسند ذلك عنه ابنُ الجوزيِّ في «الأذكياء»، [وقال بعض الحُفَّاظ المتأخِّرين: (ابن الجوزيِّ ذكره من طريق صاحب «المجالسة»؛ اسمه أحمد بن مروان(9)، وله ترجمةٌ في «الميزان»، وقد أطلق فيه الدَّارقطنيُّ(10) الكلامَ السَّيِّئ، ومُحَمَّد بن حبيب تفرَّد برفع الحديث، وقد رواه الحُفَّاظ من أصحاب سفيان عنه بالسَّند المذكور موقوفًا على ابن عبَّاس، كالحميديِّ وسعيد بن منصور وغيرِهما) انتهى](11)، وقال شيخُنا في هذا الشَّرح: (إنَّ الدِّينَوَرِيَّ ذكر ذلك عن سفيان في «المجالسة»، وفي «صحيح مسلم»: «إنَّها طَعَامُ طُعْمٍ»، زاد أبو داود الطَّيالسيُّ [خ¦457]: «وشِفَاءُ سقمٍ»، وقد شربه العلماء لمقاصد نالوها؛ كالشَّافعيِّ، والخطيبِ البغداديِّ، وغيرِهما)، انتهى.
          وأمَّا قول بعض العوام: (إنَّ حديث: «الباذنجان لما أكل له» أصحُّ من حديث ماء زمزم)؛ قولٌ فاسدٌ؛ لأنَّ حديث الباذنجان موضوع، وهذا الكلام يُستقبَح نسبتُه إلى آحاد العقلاء فضلًا عن الأنبياء، وقد سألتُ شيخَنا الحافظَ العراقيَّ عن حديث الباذنجان، فأخرج «مسند الفردوس»، فإذا فيه: «كلوا الباذنجان، فإنَّه شجرة رأيتُها(12) في جنَّة المأوى، فشهدَتْ لله بالحقِّ، ولي بالنُّبوَّة، ولعليٍّ بالولاية، فمَن أكلها على أنَّها داء، كانت داءً، ومَن أكلها على أنَّها دواءٌ،كانت دواءً»، ذكره صاحب «مسند الفردوس» بغير إسناد، قال شيخُنا المشارُ إليه العراقيُّ: (هذا المتن كَذِبٌ مُنكَرٌ باطلٌ، وفي الكتاب المذكور: «كلوا الباذنجان وأكثروا منه، فإنَّها أوَّل شجرة آمنت بالله»، رواه بإسناده من حديث أنس، كذا كتب ورواه بإسناده إلى جعفر بن مُحَمَّد وقال: «إنَّه موقوف عليه»)، انتهى، ورأيتُ حديثًا في الباذنجان في «موضوعات ابن الجوزيِّ»، فاعلمْه.
          تنبيهٌ: يُكرَه أنْ يستعمل الشَّخص ماء زمزم في نجاسة، وقال الماورديُّ: (يحرم الاستنجاء به)، وجملة ما في استعماله مطلقًا للشَّافعيَّة أربعةُ آراء.
          قال شيخُنا: (وفي غسل الميِّت عند المالكيَّة قولان، ابن شعبان منهم: لا يُستعمَل في مرحاض، ولا يُخلَط بنجس، ولا يُزَال به نجس، ويتوضَّأ به ويتطهَّر مَن ليس بأعضائه نجس، ولا يُغسَل به ميِّت _بناء على أصله في نجاسة الميِّت_، ولا يقرب ماء زمزم بنجاسة، ولا يُستنجَى به، وذُكِر أنَّ بعض النَّاس استعمله في بعض ذلك، فحدث به الباسور، وأهلُ مكَّة وغيرُهم على اتِّقاء ذلك إلى اليوم)، انتهى.
          فائدةٌ: هو أفضلُ مياهِ الأرض مطلقًا، وليس أفضل منه إلَّا الذي نبع مِن بين أصابع النَّبيِّ صلعم.


[1] زيد في (ب): (الشَّارح).
[2] (سويد بن): سقط من (ج).
[3] (ثم): ليس في (ج).
[4] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (في جزء وهو عندي)، وسقط من (ج)، وانظر «التمييز» ░2/413▒.
[5] زيد في (ب): (بعض شيوخي قال).
[6] (به): ليس في (ب).
[7] (قال بعض شيوخي): سقط من (ب).
[8] زيد في (ج): (حديث).
[9] في (أ) و(ب): (مهران)، وهو تحريف، والمثبت موافق لما في التراجم.
[10] زيد في (ب): (فيه)، وهو تكرار.
[11] ما بين معقوفين جاء في (أ) في الهامش بدون إشارة، ولعلَّ موضعه هنا، وجاء في (ب): بعد قوله: (وقال شيخنا في هذا الشَّرح)، وسقط في (ج).
[12] في (ب): (رأسها).