التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء

          136- قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، الإمام المشهور، أحد الأعلام، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ الشافعيَّ قال: (هو أفقه من مالك، ولكنَّ أصحابه أضاعوه) [خ¦82].
          قوله: (عَنْ خَالِدٍ): هذا هو ابن يزيد، أبو عبد الرحيم المصريُّ الفقيه، عن عطاء والزُّهريِّ، وعنه: اللَّيث ومُفضَّل بن فَضالة، ثقة، تُوُفِّيَ سنة تسع وثلاثين ومئة، أخرج له الجماعة.
          قوله: (عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ(1)): (نُعيم): مصغَّر، و(المُجْمِر): بضمِّ الميم، وإسكان الجيم، ثمَّ ميم مكسورة مخفَّفة، ويقال: بتشديد الميم الثَّانية؛ كان(2) يبخِّر المسجد، وهو صفة لعبد الله _وجُزِم به_ والدِ نُعيم، وقيل: صفة لنُعَيم، وهو نُعيم بن عبد الله المدنيُّ، مولى آل عُمر، عن أبي هريرة وجابر، وعنه: مالك وفُلَيح، ثقة، جالس أبا هريرة عشرين سنةً، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، وثَّقه أبو حاتم وجماعة، ولا أعرف وفاته. /
          قوله: (رَقِيتُ): هو(3) بكسر القاف، هذه اللُّغة الفصحى، وحَكى صاحب «المطالع»: فتحها من غير همز ومعه، فحصل ثلاث لغات، وكذا قاله النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وكذا قال غيره، والذي رأيتُه في «المطالع»: («فرَقِي على الصَّفا»؛ بكسر القاف [في الماضي]، وفتحها في المستقبل، ومنه: «فرَقِيَ فوَجَدَ كلبًا» [خ¦2363]، وضبطناه عنِ ابن عتَّاب(4) وابن حمدين: «فرَقَى»(5)، وكلاهما مقولان، والأوَّل أفصح، والهمز مع فتح القاف لغة طيِّئٍ، قليلة)، انتهى.
          قوله: (عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ): الظَّاهر أنَّه مسجد النَّبيِّ صلعم.
          قوله: (يُدْعَوْنَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
          قوله: (غُرًّا مُحَجَّلِينَ): منصوبان على الحال من الضَّمير في (يُدْعَوْنَ)، أو مفعولٌ لتضمين (يُدْعَونَ): يُسَمَّون.
          قوله: (مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ): هي مدلَّسة في أصلنا، وهو بضمِّ الواو، ويجوز فتحها على إرادة الماء المستعمل في الوضوء، وقد تقدَّم اللُّغات في (الوضوء) [خ¦4/2-235]، وقال بعضهم في قوله: (من آثار الوُضوء): (بضم الواو، وجوَّز ابن دقيق العيد الفتحَ على أنَّه الماء) انتهى، وهذا هو ما ذكرتُه، ولكن وافق ما قلتُه(6).
          قوله: (فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ؛ فَلْيَفْعَلْ): اعلم أنَّ شيخنا الشَّارح قال: (رأيت مَن شَرَحَ هذا الموضع من شيوخنا، وادَّعى أنَّ قوله: «فمن استطاع...» إلى آخره من قول أبي هريرة أَدْرَجه في آخر الحديث)، قال: (وفي هذه الدعوى بعدٌ عندي) انتهى، ومراد شيخنا إمَّا مغلطاي، وإمَّا قطب الدين عبد الكريم(7) الحافظ، وهو الظَّاهر؛ وذلك لأنَّه أعلم بالفنِّ من مغلطاي، والله أعلم، وكلاهما شرحاه، أمَّا مغلطاي؛ فإنَّ شيخنا قرأ عليه وانتفع به، وأمَّا قطب الدين؛ فإنِّي لا أعلمه قرأ عليه، إلا أنَّه أجازه في سنة ░734هـ▒، عندما عرض عليه «العمدة»، كما أخبرني شيخنا، انتهى، وفيها توفِّي الشيخ قطب الدين، وقد ذكر ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدين في كتابه «إغاثة اللَّهفان» ما لفظه حين ذكر هذا الحديث، ثمَّ قال: (راويه عن أبي هريرة نُعيم المُجْمِر، وقال: لا أدري قوله: «فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ؛ فَلْيَفْعَلْ» من قوله ◙ أو من قول أبي هريرة، وروى ذلك عنه الإمامُ أحمد في «المسند» [خ¦8413]) انتهى.
          [فائدة: استدلَّ جماعة من العلماء بهذا الحديث على أنَّ الوضوءَ من خصائص هذه الأمَّة زادها الله شرفًا، قال شيخنا الشَّارح: (وبه جزم الحَليميُّ في «منهاجه») انتهى، وفي «الصَّحيح» أيضًا: «لكم سيما(8) ليست لأحدٍ من الأمم؛ تَرِدون عليَّ غرًّا محجَّلين من أثر الوضوء»، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها، وإنَّما الذي اختُصَّت به الغرَّة والتحجيل، وادَّعى شيخنا أنَّه المشهور من قول العلماء، واحتجُّوا بالحديث الآخر: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي»، وأجاب الأوَّلون عنه بوجهين؛ أحدهما: أنَّه حديث ضعيف، ثانيهما: أنَّه لو صحَّ؛ لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أممهم، بخلاف هذه الأمَّة، وفي الثَّاني نظر بحديث جُريج: أنَّه توضَّأ وصلَّى [خ¦2482]، وحديث سارة حين أخذها الجبَّار: (فقامت توضَّأ وتصلِّي) [خ¦6950]، وكلاهما في هذا «الصَّحيح»، والله أعلم](9).
          قوله: (غُرَّتَهُ؛ فَلْيَفْعَلْ): (اقتصر فيه على ذكر الغرَّة دون التحجيل وإن ذُكِرَ معها في رواية أخرى)(10) في «الصَّحيح»؛ للعلم به.


[1] في (ج): (المجمري)، وكذا في المواضع اللاحقة.
[2] (كان): ليس في (ب).
[3] (هو): ليس في (ب).
[4] في (ج): (عباس).
[5] في (أ): (فرقأَ)؛ مضبوطًا بالهمز، والمثبت موافق لمصدره ولما ضبطه القاضي في «مشارق الأنوار» ░1/591▒.
[6] هذه الفقرة جاءت متأخرة في (ب) بعد قوله: (الإمام أحمد في «المسند» انتهى).
[7] (عبد الكريم): ليس في (ب).
[8] زيد في (ب): (مختصًا بها).
[9] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (فإنَّه مبني للفاعل).
[10] ما بين معقوفين تكرر في (ب) سابقًا بعد قوله: (يطيل غرته فليفعل).