شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع

          ░11▒ باب: إِقَامَةِ الْحُدُودِ على الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبيَّ صلعم في امْرَأَةٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدُودَ على الْوَضِيعِ وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ، والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا). [خ¦6787]
          قال المُهَلَّب: هذا يدلُّ أنَّ حدود الله لا يحلُّ للأئمَّة ترك إقامتها على القريب والشريف، وأنَّ من ترك ذلك من الأئمَّة فقد خالف سنَّة رسول الله صلعم ورغب عن اتِّباع سبيله.
          وفيه: أنَّ إنفاذ الحكم على الضعيف ومحاشاة الشريف ممَّا أهلك الله به الأمم، ألا ترى أنَّه صلعم وصف أنَّ بني إسرائيل هلكوا بإقامة الحدِّ على الوضيع وتركهم الشريف، وقد وصفهم الله تعالى بالكفر والفسوق لمخالفتهم أمر الله، فقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]{الظَّالِمُونَ}[المائدة:45]{الْفَاسِقُونَ}[المائدة:47]وقوله صلعم: ((لو أنَّ فاطمة سرقت لقطعت يدها)) هو في معنى قوله ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ على أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[النساء:135].
          فامتثل صلعم أمر ربِّه في ذلك، وامتثله بعده الأئمَّة الراشدون في تقويم أهليهم فيما دون الحدود.
          وذكر عبد الرزَّاق، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ، عن أبيه قال: كان عُمَر بن الخطَّاب إذا نهى الناس عن شيءٍ جمع أهله، وقال: إنِّي نهيت الناس عن كذا وكذا والناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإنِّي والله لا أوتى برجلٍ منكم وقع في شيءٍ ممَّا نهيته عنه إلَّا أضعفت عليه العقوبة لمكانه منِّي، فمن شاء فليتقدَّم ومن شاء فليتأخَّر.