شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ظهر المؤمن حمًى إلا في حد أو حق

          ░9▒ باب: ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إِلَّا في حَدٍّ أَوْ حَقٍّ
          فيه: ابنُ عُمَر قال: قَالَ النَّبيُّ صلعم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (أَلا أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلا شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: أَلا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: أَلا أيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلا يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ _ثَلاثًا_؟ كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ: أَلا نَعَمْ) الحديث. [خ¦6785]
          قال المُهَلَّب قوله: (ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إِلَّا في حَقٍّ) يعني أنَّه لا يحلُّ للمسلم أن يستبيح ظهر أخيه ولا بشرته لثائرةٍ تكون بينه وبينه أو عداوةٍ إذا لم تكن على حكم ديانة الإسلام ممَّا كانت الجاهليَّة تستبيحه من الأعراض والدماء، وإنَّما يجوز استباحة ذلك في حقوق الله أو حقوق الآدميِّين أو في أدبٍ لمن قصَّر في الدين، كما كان عمر ☺ يؤدِّب بالدرَّة وبغيرها كلَّ مظنونٍ به ومقصِّرٍ.
          وقوله صلعم: (أَلا أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ) وقول أصحابه: (أَلا شَهْرُنَا هَذَا)، فإنَّ العرب تزيد (أَلَا) في افتتاح الكلام للتنبيه، كقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}[البقرة:12]و {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}[هود:5]، و {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}[هود:8].
          قال الشاعر:
أَلَا يا زَيدُ والضَّحَّاكُ سَيرًا                     فَقَد جَاوَزتُما خَمَرَ الطَّريقِ