عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع
  
              

          ░17▒ (ص) بابٌ إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ أَجَّلَهُ فِي الْبَيْعِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكر فيه إذا أقرض الرجل رجلًا دراهم أو دنانير أو شيئًا مِمَّا يصحُّ فيه القرض إلى أجلٍ مسمَّى؛ أي: إلى مُدَّة معيَّنة.
          قوله: (أَوْ أَجَّلَهُ) أي: أو أجَّل الثمن في عقد البيع، أو أجَّل العقد فيه؛ يعني: باعه إلى أجلٍ مسمًّى، ولا يقال: فيه إضمار قبل الذكر؛ لأنَّ القرينة تدلُّ عليه، وهي قوله: (فِي البَيْعِ)، وهاتان مسألتان جوابهما محذوفٌ؛ تقديره: فهو جائزٌ، أو يجوز، ونحو ذلك.
          أَمَّا المسألة الأولى ففيها خلافٌ؛ فقال ابن بَطَّالٍ: اختلف العلماء في تأخير الدين في القرض إلى أجلٍ، فقال أبو حنيفة وأصحابه: / سواءٌ كان القرض إلى أجلٍ أو غير أجل، له أن يأخذه متى أحبَّ، وكذلك العارية وغيرها؛ لأنَّه عندهم مِن باب العِدَة والهبة غير مقبوضة، وهو قول الحارث العُكْليِّ وأصحابه وإبراهيم النَّخَعِيِّ، وقال ابن أبي شَيْبَةَ: وبه نأخذ، وقال مالك وأصحابه: إذا أقرضه إلى أجلٍ ثُمَّ أراد أخذه قبلَ الأجل لم يكن له ذلك.
          وأَمَّا المسألة الثانية فليس فيها خلافٌ بين العلماء؛ لجواز الآجال في البيع؛ لأنَّه مِن باب المعاوضات، فلا يأخذه قبل محلِّه، وفي «التوضيح»: وقال الشَّافِعِيُّ: إذا أخَّر الدين الحالَّ فله أن يرجع فيه متى شاء، وسواء كان ذلك مِن قرضٍ أو غيره.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ.
          (ش) هذا التعليق وصله ابن أبي شَيْبَةَ عن وكيعٍ: حَدَّثَنَا حماَّد بن سلمة قال: سمعت شيخًا يقال له: المغيرة: قلت لابن عمر: إنِّي أسلف جيراني إلى العطاء، فيقضوني أجود مِن دراهمي، قال: لا بأس ما لم تشترط، قال وكيعٌ: وحدثنا هشام الدَّسْتَوَائِيُّ، عن القاسم ابن أبي بزَّة، عن عطاء بن يعقوب قال: استسلف منِّي ابن عمر ألف درهمٍ، فقضاني دراهم أجود مِن دراهمي، وقال: ما كان فيها مِن فضل فهو نائل مني إليك أتقبله؟ قُلْت: نعم.
          (ص) وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِي الْقَرْضِ.
          (ش) (عَطَاءٌ) هو ابن أبي رَبَاح، ووصل هذا التعليق عبد الرزَّاق عن ابن جُرَيْج عنهما، وقال ابن التِّين: قول عطاء وعمرو به يقول أبو حنيفة ومالك.
          قُلْت: ليس هذا مذهب أبي حنيفة، ومذهبه: كلُّ دَيْن يصحُّ تأجيله إلَّا القرض؛ فإنَّ تأجيله لا يصحُّ.