-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة
-
باب رؤيا الصالحين
-
باب الرؤيا من الله
-
باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة
-
باب المبشرات
-
باب رؤيا يوسف
-
باب رؤيا إبراهيم ◙
-
باب التواطؤ على الرؤيا
-
باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك
-
باب من رأى النبي
-
باب رؤيا الليل
-
باب الرؤيا بالنهار
-
باب رؤية النساء
-
باب: الحلم من الشيطان
-
باب اللبن
-
باب: إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره
-
باب القميص في المنام
-
باب جر القميص في المنام
-
باب الخضر في المنام والروضة الخضراء
-
باب كشف المرأة في المنام
-
باب ثياب الحرير في المنام
-
باب المفاتيح في اليد
-
باب التعليق بالعروة والحلقة
-
باب عمود الفسطاط تحت وسادته
-
باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام
-
باب القيد في المنام
-
باب العين الجارية في المنام
-
باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس
-
باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف
-
باب الاستراحة في المنام
-
باب القصر في المنام
-
باب الوضوء في المنام
-
باب الطواف بالكعبة في المنام
-
باب: إذا أعطى فضله غيره في المنام
-
باب الأمن وذهاب الروع في المنام
-
باب الأخذ على اليمين في النوم
-
باب القدح في النوم
-
باب: إذا طار الشيء في المنام
-
باب: إذا رأى بقرًا تنحر
-
باب النفخ في المنام
-
باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعًا آخر
-
باب المرأة السوداء
-
باب المرأة الثائرة الرأس
-
باب: إذا هز سيفًا في المنام
-
باب من كذب في حلمه
-
باب: إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها
-
باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب
-
باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح
-
باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░9▒ (ص) بابُ رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ.
(ش) أي: هذا بابٌ في بيان رؤيا أهل السُّجون، وهو جمع (سِجن) بالكسر، وهو الحبس، وبالفتح مصدر، وقد سَجَنَه يَسجُنُه مِن (باب نصَرَ) أي: حبسه.
قوله: (وَالْفَسَادِ) أي: رؤيا أهل الفساد؛ يعني: أهل المعاصي.
قوله: (وَالشِّرْكِ) يعني: رؤيا أهل الشِّرك، ووقع في رواية أبي ذرٍّ بدل الشِّرك: <والشُّرَّاب> بِضَمِّ الشين المُعْجَمة وتشديد الراء جمع (شارب) أو بفتحتين مخفَّفًا؛ أي: وأهل الشَّرَاب، وأريد به الشراب المحرَّم، وعَطْفُه على (الفَسَادِ) مِن عطف الخاصِّ على العامِّ، وأشار بهذا إلى أنَّ الرؤيا الصالحة معتبرةٌ في حقِّ هؤلاء بأنَّها قد تكون بُشرى لأهل السِّجن بالخلاص، وإن كان المسجون كافرًا تكون بشرى له بهدايته إلى الإسلام؛ كما كانت رؤيا الفَتَيَينِ اللَّذينِ حُبِسَا مع يوسفَ ◙ صادقة، وقال أبو الحسن بن أبي طالب: وفي صِدق رؤيا الفَتَيَينِ حجَّة على مَن زعم أنَّ الكافر لا يرى رؤيا صادقة، وأَمَّا رؤيا أهلِ الفساد فتكون بشرى له بالتَّوبة والرجوع عمَّا هو فيه، وأَمَّا رؤيا الكافر فتكون بُشرى له بهدايته إلى الإيمان.
(ص) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ}[يوسف:36-39] وَقَالَ الْفُضَيْلُ عِنْدَ قوله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ} لِبَعْضِ الأَتْبَاعِ: يَا عَبْدَ اللهِ؛ {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ. وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ. وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ. قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ. وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف:39-50].
(ش) سيقت هذه الآياتُ كلُّها في رواية كريمة، وهي ثلاثة عشر آية، وفي رواية أبي ذرٍّ من قوله: <{وَدَخَلَ مَعَهُ الْسِّجْنَ فَتَيَانِ}> ثُمَّ قال: <إلى قوله: {اِرْجِعْ إِلَى رَبِكَ}>.
قوله: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ الْسِّجْنَ}) وفي بعض النُّسَخ: / <وَقوله تعالى> بدون لام التَّعليل، والأَوَّل أَولى؛ لأنَّه يحتجُّ بقوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ...} إلى آخِره على اعتبار الرؤيا الصالحة في حقِّ أهل السِّجن والفساد والشِّرك، وهو أيضًا يوضِّح حكمَ التَّرجمة، فَإِنَّهُ لم يتعرَّض فيها إلى بيانِ الحكم.
قوله: ({وَدَخَلَ مَعَهُ}) أي: مع يوسف ({فَتَيَانِ}) وهما غلامانِ كانا للوليد بن ريَّانِ مَلِكِ مصر الأكبر، أحدهما: خبَّازه وصاحب طعامه، واسمه مُجلِّث، والآخر: ساقيه صاحب شرابه، واسمه نَبْوٌ، غضب عليهما الملك فحبسهما، وكان يوسف لمَّا دخل السِّجن قال لأهله: إنِّي أُعبِّر الأحلام، فقال أحد الفَتَيَينِ لصاحبه: فلنجرِّب هذا العبد العبرانيَّ، فتراءيا له، فسألاه مِن غير أن يكونا رأيا شيئًا، فقال أحدهما: ({إنِّي أَرَانِي أَعْصِر خَمْرًا}) [أي: عِنَبًا بلغة عُمان، وقيل لأعرابيٍّ معه عِنَبٌ: ما معك؟ قال: خمر، وقرأ ابن مسعود: {أعصِرُ عِنَبًا}]، وقيل: إِنَّما قالهُ: {خَمْرًا} باعتبار ما يؤول إليه.
قوله: ({نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ}) أي: أخبرنا بتعبيرِه وما يَؤُول إليه أمرُ هذه الرؤيا.
قوله: ({إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}) أي: مِن العالِمِينَ الذين أحسنوا العِلْم، قاله الفَرَّاء، وقال ابن إسحاق: المحسنينَ إلينا إن قلتَ ذلك.
قوله: ({لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ}) إِنَّما قال ذلك لأنَّه كرِهَ أن يعبِّر لهما ما سألاه لِما علِمَ في ذلك مِنَ المكروه على أحدهما، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره، فقال لهما: {لَا يَأْتِيكُمَا [طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في نومِكما ({إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ}) أي: بتفسيره وألوانِه؛ أيَّ طعامٍ أكلتم؟ وكم أكلتم؟ ومتى أكلتم؟ مِن ({قَبْل أَن يَأتِيَكُما}) ]، فقالا له: هذا من فِعْل العرَّافين والكَهَنة، وقال يوسف: ما أنا بكاهنٍ، وإِنَّما ({ذَلِكُما}) العلم ({مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي}) ثُمَّ أعلمهما أنَّهُ مؤمنٌ فقال: ({إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَومٍ}) أي: دينَهم وشريعتهم.
قوله: ({وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ}) هي الملَّة الحنيفيَّة.
قوله: ({ذَلِكَ}) أي: التَّوحيد والعلم ({مِنْ فَضْلِ اللهِ}) فأراهما دينه وعِلْمَه وفطنَته، ثُمَّ دعاهما إلى الإسلام، فأقبل عليهما وعلى أهل السِّجن، وكان بين أيديهم أصنامٌ يعبدونها مِن دون الله، فقال إلزامًا للحجَّة: ({يَا صَاحِبَيِ الْسِجْنِ}) جعلهما صاحبَيِ السِّجن لكونهما فيه، فقال: ({أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِقُونَ}) يعني: شتَّى لا تضرُّ ولا تنفع ({خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}؟!).
قوله: (وَقَالَ الْفُضَيْلُ...) إلى قوله: ({الْقَهَّارُ}) وقع هنا عند كريمة، [ووقع عند أبي ذرٍّ بعد قوله: ({ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}) ووقع عند غيرهما بعد قوله: (الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ) والذي عند كريمة هو الأليق].
قوله: ({مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ}) أي: مِن دون الله ({إلَّا أَسْمَاءً}) يعني: لا حقيقة لها.
قوله: ({مِنْ سُلْطَانٍ}) أي: حُجَّة وبرهان.
قوله: ({ذَلِكَ الدِّينُ}) أي: ذلك الذي دعوتكم إليه مِن التَّوحيد وتركِ الشِّرك هو الْدِّينُ ({الْقَيِّمُ}) أي: المستقيم.
ثُمَّ فسَّر رؤياهما بقوله: ({يَا صَاحِبَيِ الْسِّجْنِ}...) إلى آخِرِه، ولمَّا سمِعَا قول يوسف قالا: ما رأينا شيئًا، كنَّا نلعب! فقال يوسف: ({قُضِيَ الأَمْرُ}) أي: فرغ الأمر الذي سألتماه، ووجب حُكمُ الله عليكما بالَّذي أخبرتُكما به، ({وَقَالَ}) يوسف عند ذلك ({لِلَّذِي ظَنَّ}) أي: علِمَ ({أنَّهُ نَاجٍ}) وهو الساقي: ({اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}) أي: سيِّدك.
قوله: ({فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ}) أي: أنسى يوسف الشيطانُ ({ذِكْرَ رَبِّهِ}) حَتَّى ابتغى الفرجَ مِن غيره، واستعان بالمخلوق؛ فلذلك لَبِثَ ({فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}) واختُلِفَ في معناه؛ فقال أبو عُبَيد: هو ما بينَ الثلاثة إلى الخمسة، وقال مجاهد: ما بين ثلاثٍ إلى سبعٍ، وقال قتادة والأصمعيُّ: ما بين الثلاثة إلى التسع، وقال ابن عَبَّاس: ما دون العشرة، وأكثرُ المفسِّرين هَهُنا أنَّ البِضْعَ سبعُ سنين.
ولمَّا دنا فَرَج يوسفَ رأى مَلِكُ مصر الأكبر رؤيا عجيبة هَالَتْهُ، وقال: ({إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}) خَرجْنَ مِن نهرٍ يابسٍ، ({يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ}) بقرات ({عِجَافٌ}) أي: مَهازيل، فابتلعهُنَّ فَدَخَلْنَ في بطونهنَّ، فلم يُرَ منهنَّ شيءٌ، ورأى ({سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ}) قد انعقد حبُّها، ({وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}) قد احتصدت وأُفرِكَت، فالتوَت اليابساتُ على الخضر حَتَّى غَلَبْنَ عليهنَّ، فجَمَعَ السَّحرةَ والكهنة والحازة والقافَة، وقصَّها عليهم، وقال: ({يَا أَيُّهَا الْمَلأُ}) أي: الأشراف؛ ( / {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ}) فاعبروها ({إِنْ كُنْتُمْ لِلْرُؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا}) : هذا الذي رأيته ({أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}) أي: أحلامٌ مختلطةٌ مشتبهةٌ أباطيل، و(الأضغاث) جمع (ضِغث) وهو الحُزمة مِن أنواع الحشيش.
قوله: ({وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا}) هو السَّاقي.
قوله: ({وَادَّكَرَ}) أي تذكَّر حاجةَ يوسف؛ وهو قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}.
قوله: ({بَعْدَ أُمَّةٍ}) أي: بعد حينٍ، وعن عِكْرِمَة: بعد قرنٍ، وعن سعيد بن جُبَير: بعد سنين، وسيجيء مزيد الكلام فيه.
قوله: ({أُنَبِّئُكُمْ}) أي: أخبِرُكم ({بِتَأْويلِهِ}).
قوله: ({فَأَرْسِلُونِ}) يعني: إلى يوسف، فأرسلوه إليه، فقال: ({يُوسُفُ}) يعني: يا يوسفُ ({أَيُّهَا الْصِّدِّيقُ}) وهو الكثير الصِّدْقِ.
قوله: ({أَفْتِنَا}...) إلى قوله: ({وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}) من كلام الساقي الُمرسَل إلى يوسُف.
قوله: ({لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}) أي: تأويلَ رؤيا الملِك، وقيل: يعلمون فضلَكَ وعِلْمك.
قوله: ({قَالَ تَزْرَعُونَ}) أي: قال يوسف: ({تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا}) أي: كعادتكم، قاله الثعلبيُّ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: {دأبًا} مصدر دأبَ في العمل، وهو حال مِن المأمورين؛ أي: دائبين، إمَّا على تدأبون دأبًا، وإمَّا على إيقاع المصدر حالًا؛ يعني: ذوي دَأبٍ.
قوله: ({فَذَرُوهُ}) أي: اترُكُوه ({فِي سُنبُلِهِ}) إِنَّما قال ذلك ليبقى ولا يفسد.
قوله: ({سَبْعٌ شِدَادٌ}) يعني: سبع سنين جَدْب وقَحْط.
قوله: ({مِمَّا تُحْصِنُونَ}) أي: تحرُسُون وتدَّخِرون.
قوله: ({يُغَاثُ النَّاسُ}) مِن الغَوث، أو مِنَ الغيث؛ وهو المطر؛ أي: يُمْطَرون منه.
قوله: ({وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}) أكثرُ المفسِّرين على معنى: يعصرون العِنَب خمرًا، والزيتون زيتًا، والسِّمسِمَ دُهنًا، وقال أبو عُبَيدة: {يعصِرُون} ينجُونَ مِنَ الجَدْب والكَرْب، العصر والعصرة: النجاة والملجأ، وقيل: {يَعصِرُونَ} يُمطَرون، دليله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ}[النبأ:14] ثُمَّ إنَّ السَّاقيَ لمَّا رجع إلى الملك وأخبره بما أفتاه يوسف مِن تأويلِ رؤياه؛ {قَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} أي: بيوسف ({فَلَمَّا جَاءَهُ الْرَّسُولُ}) أي: لمَّا جاء يوسفَ الرسولُ، وقال: أجِبِ المَلِك؛ ({قَالَ}) يوسفُ: ({ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}) يعني: سيِّدك الملِك ({فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ الْنِّسْوَةِ}؟) الآية، وإِنَّما قال ذلك حَتَّى يظهر عُذره، ويُعرَف صحَّة أمره مِن قِبَلِ النِّسوة، وتمام القصَّة في موضعها.
(ص) {وَادَّكَرَ} افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ، {أُمَّةٍ} قَرْنٍ، وَيُقْرَأُ: {أَمَهٍ} نِسْيَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَعْصِرُونَ} الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ، {تُحْصِنُونَ} تَحْرُسُونَ.
(ش) أشار بهذا إلى تفسير بعض الألفاظ الَّتي وقعت في الآيات المذكورة:
منها: قوله: ({وَادَّكَرَ}) فَإِنَّهُ على وزن (افْتَعَلَ) لأنَّ أصله (ذَكَرَ) بالذال المُعْجَمة، فنُقِلَت إلى (باب الافتعال) فصار (اذْتَكَر) ثُمَّ قُلِبَتِ التاء دالًا مُهْمَلة، فصار (اذْدَكَر)، ثُمَّ قُلِبَتِ الذال المُعْجَمة دالًا مُهْمَلة، ثُمَّ أُدغِمَت الدال في الدال فصار (ادَّكر) قال الزَّمَخْشَريُّ: هذا هو الفصيح، وعن الحسن بالذال المُعْجَمة، وقوله: (افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ) رواية الكُشْميهَنيِّ، وفي رواية غيره: <افتَعَل مِن ذَكَرتُ>.
ومنها: قوله: ({أُمَّةٍ}) فَإِنَّهُ فسَّرها بقوله: (قَرْنٍ).
قوله: (وَيُقْرَأُ: {أَمَهٍ}) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبالهاء المنوَّنة، وفسَّره بقوله: (نِسْيَانٍ) وأخرجه الطَّبَريُّ عن عِكْرِمَة، وتُنسَبُ هذه القراءة في الشواذِّ إلى ابن عَبَّاس والضحَّاك، يقال: رجل مأموهٌ: ذاهبُ العقل، يقال: أَمَهْتُ آمُهُ أَمْهًا؛ بسكون الميم.
ومنها: قوله: ({يَعْصِرُونَ}) إشارة إلى تفسيره بقوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَعْصِرُونَ} الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ) ووصله هكذا ابنُ أبي حاتم مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاس.
ومنها: قوله: ({تُحْصِنُونَ}) ففسَّره بقوله: (تَحْرُسُونَ) وقد مرَّ الكلام فيه.