عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة
  
              

          (ص) بَابُ أَوَّلِ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه: أَوَّل ما بُدِئ به، وهكذا وقع في رواية النَّسَفِيِّ والقابسيِّ، وكذا وقع لأبي ذرٍّ مثله إلَّا أنَّهُ سقط له عن غير المُسْتَمْلِي لفظ (باب) ووقع لغيرهم: <باب التعبير وأَوَّل ما بدئ به...> إلى آخره.
          و(الرُّؤْيَا) ما يراه الشخص في منامه، وهي على وزن (فُعْلَى) وقد تُسهَّل الهمزة، وقال الواحديُّ: هو في الأصل مصدرٌ كالبُشْرى، فلمَّا جُعلت اسمًا لما يتخيَّله النائم أُجْرِيت مجرى الأسماء، وقال ابن العربيِّ: الرؤيا: إدراكاتٌ علَّقها الله ╡ في قلب العبد على يدي ملكٍ أو شيطانٍ إمَّا بأسمائها؛ أي: بحقيقتها، وإمَّا بكناها؛ أي: بعبارتها، وإمَّا تخليطٌ، ونظيرها في اليقظة: الخواطر، فَإنَّهَا قد تأتي على نسقٍ في قصدٍ، وقد تأتي مسترسلةً غير محصَّلةً، وروى الحاكم والعقيليُّ مِن رواية مُحَمَّد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عُمَر عن أبيه قال: لقي عمر عليًّا ☻ فقال: يا أبا الحسن؛ الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب؟ قال: نعم؛ سمعت رسول الله صلعم يقول: «ما مِن عبدٍ ولا أمةٍ ينام فيمتلئ نومًا إلَّا يخرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ دون العرش، فتلك الرؤيا التي تصدُق، والذي يستيقظ دون العرش، فتلك الرؤيا التي تكذب» قال الذهبيُّ في «تلخيصه»: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ، ولم يصحِّحه المؤلِّف، ولعلَّ الآفةَ مِنَ الراوي عن ابن عجلان انتهى، الراوي عن ابن عجلان هو أزهر بن عبد الله الأزديُّ الخراسانيُّ، ذكره العُقَيْليُّ في ترجمته، وقال: إنَّهُ غير محفوظٍ.
          قوله: (الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ) قد ذكرنا أنَّ (الرؤيا) في المنام، و(الرؤية) هي النظر بالعين، و(الرأي) بالقلب، و(الصادقة) هي رؤيا الأنبياء ‰ ومَن تبعهم مِنَ الصالحين، وقد تقع لغيرهم بندورٍ، والأحلام الملتبسة أضغاثٌ، وهي لا تنذر بشيءٍ.