عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: اخسأ فلن تعدو قدرك
  
              

          6618- (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ وَبِشْرُ بْنُ مُحَمَّد قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم لاِبْنِ صَيَّادٍ: «خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا» قَالَ: الدُّخُّ، قَالَ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ عُمَرُ ☺ : ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: «دَعْهُ، إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَا تُطِيقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ».
          (ش) مطابقته للترجمة تُؤخَذُ مِن قوله: (إِنْ يَكُنْ هُوَ...) إلى آخره؛ يعني: أنَّه إن كان الدجال قد سبق في علم الله خروجه وإضلاله الناس؛ فلن يُقدِرَكَ خالقك على قتل مَن سبق في علمه أنَّهُ يخرج ويضلَّ الناس؛ إذ لو أقدرك على هذا لكان فيه انقلابُ علمه، والله يَتَعالى عَن ذلك.
          و(عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ) المَرْوَزِيُّ، سكن عَسقَلان، و(بِشْرٌ) بكسر الباء المُوَحَّدة وسكون الشين المُعْجَمة (ابْنُ مُحَمَّدٍ) أبو مُحَمَّدٍ السَّخْتيَانيُّ المَرْوَزِيُّ، و(عَبْدُ اللهِ) هو ابن المبارك المَرْوَزِيُّ، و(مَعْمَرٌ) بفتح الميمين، ابن راشد، و(الزُّهْريُّ) مُحَمَّد بن مسلم، و(سَالِمٌ) ابن عبد الله بن عُمَر.
          والحديث مضى في (كتاب الجنائز) في (باب إذا أسلم الصبيُّ فمات هل يُصلَّى عليه؟) فَإِنَّهُ أخرجه هناك مطوَّلًا، ومضى الكلام فيه مستوفًى.
          قوله: (لِابْنِ صَيَّادٍ) اسمه صاف.
          قوله: (خَبِيئًا) ويُروى: <خَبْئًا>.
          قوله: (الدُّخُّ) بِضَمِّ الدال المُهْمَلة وتشديد الخاء المُعْجَمة: الدُّخان، وقيل: أراد أن يقول: الدخان، فلم يمكنه؛ لهيبة رسول الله صلعم ، أو زَجَره رسول الله صلعم فلم يستطع أن يُخرِجَ الكلمة تامَّة.
          قوله: (اخْسَأْ) بالهمز، يقال: خسأ الكلب؛ إذا بَعُدَ، و(اخسأ) أمرٌ منه، وهو خطابُ زجرٍ وإهانة.
          قوله: (فَلَنْ تَعْدُوَ) يُروى بحذف الواو تخفيفًا، أو بتأويل (لن) بمعنى (لم) والجزمُ بـ(لن) لغةٌ حكاها الكسائيُّ.
          قوله: (إِنْ يَكُنْ هُوَ) ويُروى: <إن يكُنْه> وفيه ردٌّ على النحويِّ حيث قال: والمختارُ في خبر «كان» الانفصال.
          قوله: (فَلَا تُطِيقُهُ) أي: لا تُطيق قتله؛ إذ المقدَّر أن يخرج في آخر الزمان خروجًا يُفسد في الأرض، ثُمَّ يقتله عيسى ◙ .
          قوله: (فَلَا خَيْرَ لَكَ) قيل: كان يدَّعي النبوَّة، فلِمَ لا يكون قتله خيرًا؟ وأُجِيبَ بأنَّه كان غيرَ بالغ، أو كان في مهادنةٍ أيَّامَ اليهود وحلفائهم، وأَمَّا امتحانه عَلَيْهِ الصلاة والسلام بالخَبء؛ فلإظهارِ بطلانِ حاله للصَّحابة، وأنَّ مرتبته لا تتجاوز عَنِ الكهانة.