عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}
  
              

          ░10▒ (ص) بابٌ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}[الإسراء:60].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا}... إلى آخره، قال الثَّعلبيُّ في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا} الآية، قال قوم: هي رؤيا عين ما أُرِيَ النَّبِيُّ صلعم ليلة المعراج مِنَ العجائب والآيات، فكان ذلك فتنة للناس، فقوم أنكروا وكَذَّبوا، وقومٌ ارتدُّوا، وقوم حدَّثوا.
          قوله: ({إِلَّا فِتْنَةً}) أي: بلاء للناس، وقيل: رأى رسول الله صلعم / بني أميَّة ينزون على منبره نَزْوَ القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكًا حَتَّى مات، فأنزل الله تعالى: ({وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ.....}) الآية [الإسراء:60] وقيل: إِنَّما فُتِنَ الناس بالرؤيا والشجرة لأنَّ جماعة ارتدُّوا، وقالوا: كيف سُريَ به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؟! وقالوا لمَّا أنزل الله شجرة الزقوم: كيف تكون في النار شجرةٌ لا تَأكلها؟ فكان فتنةً لقوم، واستبصارًا لقوم؛ منهم أبو بكر الصِّدِّيق ☺ ، ويقال: إنَّهُ سُمِّيَ صِدِّيقًا ذلك اليوم، وأصل الفتنة في الأصل الاختبار، ثُمَّ استُعمِلَت في الكفر؛ كقوله: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}[البقرة:191] وفي الإثم؛ كقوله: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}[التوبة:49]، وفي الإحراق؛ كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ}[البروج:10] وفي الإزالة عَنِ الشيء؛ كقوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}[الإسراء:73] وغير ذلك، والمراد بها في هذا الموضع: الاختبار.