عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: المعصوم من عصم الله
  
              

          ░8▒ (ص) باب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ.
          (ش) أي: هذا باب يُذكَر فيه قول رسول الله صلعم : «الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ» أي: مَن عَصَمه الله بأن حماه عَن الوقوع في الهلاك، يقال: عصمه الله مِنَ المكروه: وَقَاه وحفظه، والفرق بين عصمة المؤمنين وعصمة الأنبياء ‰ : أنَّ عصمة الأنبياء بطريق الوجوب، وفي حقِّ غيرهم بطريق الجواز.
          (ص) {عَاصِمَ} مانِعَ.
          (ش) أشار به إلى تفسير: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ}[هود:43] أي: لا مانعَ.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: سُدًى عَنِ الْحَقِّ، يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في تفسير {سُدًى} في قوله ╡ : {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:36] بقوله: (يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالةِ) وقال بعضهم: «سُدًّا» بتشديد الدَّال بعدها ألف، وصله ابن أبي حاتم مِن طريق ورقاء عن ابن أبي نَجِيح عنه في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سُدًّا}[يس:9] قال: عَنِ الحقِّ، ثُمَّ قال: ورأيته في بعض نسخ البُخَاريِّ: / «سُدًى» بتخفيف الدال مقصور، وعليه شرح الكَرْمانيُّ ثُمَّ قال: ولم أرَ في شيء مِن نسخ البُخَاريِّ إلَّا الذي أوردتُه انتهى.
          قُلْت: هذا كلامٌ ينقض آخرُه أوَّلَه؛ لأنَّه قال أوَّلًا: ورأيته في بعض نسخ البُخَاريِّ «سدًى» بتخفيف الدال، ثُمَّ قال: ولم أرَ في شيءٍ مِن نسخ البُخَاريِّ إلَّا الذي أوردتُه، ومع هذا هو لم يطَّلع على جميع نسخ البُخَاريِّ، وهذا لا يُتَصَوَّر إلَّا بالعَسْف في النُّسَخ التي في مَدينتِه، وأَمَّا النُّسَخ التي في بلاد كرمان وبلخ وخراسان؛ مِن أين يتصوَّر له الاطِّلاع فيها؟
          (ص) {دَسَّاهَا} أغْوَاها.
          (ش) أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس:10]) بقوله: (أَغْوَاهَا).
          وأخرج الطَّبَريُّ بسندٍ صحيحٍ عن حبيب بن أبي ثابت، عَن مجاهد وسعيد بن جُبَير في قوله: {دسَّاها} قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلَّها، وقال الكَرْمانيُّ: مناسبةُ الآيتين بالترجمة بيانُ أنَّ مَن لم يعصمه الله كان سُدًى ومُغْوًى.