عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}
  
              

          ░9▒ (ص) بابٌ {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}[الأنبياء:95] {أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود:36] {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قوله تعالى: {وَحَرَامٌ}... إلى آخره، قال الكَرْمانيُّ: الغرضُ مِن هذه الآيات أنَّ الإيمان والكفر بتقدير الله تعالى، وفي رواية أبي ذرٍّ: <{وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} الآية> وفي رواية غيره: <{وَحَرَامٌ} إلى آخر الآية> والقراءتان مشهورتان، فقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام: {حَرَامٌ} وقرأ أهل الكوفة: {وَحِرْمٌ}.
          (ص) وَقَالَ منْصُورُ بنُ النُّعْمانِ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: {وحِرْمٌ} بالحَبَشِيَّةِ: وجَبَ.
          (ش) (مَنْصُورُ بْنُ النُّعْمَانِ) اليشكُريُّ البَصْريُّ، سكن مرو ثُمَّ بخارى، وما له في «البُخَاريِّ» سوى هذا الموضع، وقال الكَرْمانيُّ: منصور بن النعمان في النُّسَخ هكذا، لكن قالوا: صوابه منصور بن المعتمر السلميُّ الكوفيُّ.
          وهذا التعليق رواه أبو جعفر عن ابن قهزاد عَن أبي عَوَانَة عنه، هكذا قاله صاحب «التلويح»، وتبعه صاحب «التوضيح»، وقال بعضهم: لم أقِف على ذلك في «تفسير أبي جعفر الطَّبَريِّ».
          قُلْت: هذا مجرَّد تشنيع، وعدمُ وقوفه على هذا لا يستلزم عدمَ وقوف غيره، ونُسخ «الطَّبَريِّ» كثيرة، فلا تخلو عَن زيادة ونقصان.
          قوله: ({وَحِرْمٌ} بِالْحَبَشِيَّةِ: وَجَبَ) يعني: معنى {حِرْمٌ} باللغة الحبشيَّة: وَجَب، وروى غير عِكْرِمَة عن ابن عَبَّاس: وجب عليهم أنَّهم لا يتوبون؛ يعني في تفسير قوله ╡ : ({وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}[الأنبياء:95]) وعن أبي عُبَيدة: {لا} هنا زائدة، وذهب إلى أنَّ (حرامًا) على بابه، وأنكر البَصْريُّون زيادة {لا} هنا، وقيل: المعنى: وحرام أن يُتَقبَّل عنهم عمل؛ لأنَّهم لا يرجعون؛ أي: لا يتوبون، وكذا قال الزَّجَّاج، وقيل: الحرام المنع، فالمعنى: حرام عليهم الرُّجوع إلى الدنيا، وقال المُهَلَّب: وجب عليهم أنَّهم لا يتوبون، و{حِرْمٌ} و{حَرَام} بمعنًى واحد، والتقدير: وحرام على قرية أردنا إهلاكها التَّوبة مِن كفرهم، وهذا كقوله: {أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود:36] أي: تَقَدَّمَ علم الله في قوم / نوح أنَّهُ لا يؤمن منهم غيرُ مَن آمن؛ ولذلك قال نوح ◙ : {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26] إلى قوله: {فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27] إذْ قد أعلمتني أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ منهم إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، وأهلكهم لعلمِه تعالى أنَّهم لا يرجعون إلى الإيمان.