الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلًا

          ░15▒ (باب مَنْ أَخَّرَ) أي: من الحُكَّام، أو ممَّن عليه الدَّين (الْغَرِيمَ) إعطاءَه حقَّه، ولعلَّه أنسبُ من قول القسطلانيِّ: من أخَّرَ؛ أي: من الحُكَّامِ الغريمَ؛ أي: مُطالبتَه لـمَن عليه الدَّينُ، فتدبَّر.
          (إِلَى الْغَدِ أَوْ نَحْوِهِ) أي: كيومَينِ أو ثلاثةٍ بحسَبِ المصلحةِ في ذلك (وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ) أي: التأخيرَ المذكورَ (مَطْلاً) أي: مُحرَّماً داخلاً في الوعيدِ المذكور في نحو حديث: ((مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ)).
          وسقطَتْ هذه التَّرجمةُ وحديثُها كما في ((الفتح)) وغيرِه من رواية النسفيِّ، ولم يذكُرْهما ابنُ بطَّالٍ ولا أكثرُ الشُّرَّاح؛ لتقدُّمِ حديثِها موصولاً قريباً في باب: إذا قضى دونَ حقِّه... إلخ.
          (وَقَالَ جَابِرٌ) أي: ابنُ عبد الله الأنصاريُّ ☻ مما وصلَه آنفاً في الباب المذكور (اشْتَدَّ) بسكون الشين المعجَمة (الْغُرَمَاءُ) أي: طالبوا بشِدَّةٍ (فِي حُقُوقِهِمْ فِي دَيْنِ أَبِي) أي: الذي عليه لهم (فَسَأَلَهُمُ) أي: للغُرَماء (النَّبِيُّ صلعم) أي: بعد أن طلبَ منه عليه السَّلامُ جابرٌ أن ينطلِقَ معه لئلَّا يُفحِشوا عليه / (أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي) أي: بُستاني، ويحلِّلوا أبي من بقية ديونِهم، و((ثَمر)) بالمثلَّثةِ في أكثرِ الأصول، ووقع في الفرع: ((تَمْرَ حائطي)) بالفوقيَّةِ والميمِ الساكنة.
          (فَأَبَوْا) بفتح الهمزة والموحَّدة، وأصله: فأبوُوا؛ بضمِّ الواوِ الأولى، استُثقِلتِ الضمةُ عليها، فحُذِفَتْ، ثم حُذِفَتِ الواوُ لالتقاء الساكنَين، ولك أن تقول: تحركتِ الواوُ وانفتَحَ ما قبلَها، فقُلِبَتْ ألفاً، ثم حُذِفَتْ لالتقاء الساكنَين؛ أي: فامتنَعوا أن يقبلوا ذلك.
          (فَلَمْ يُعْطِهِمُ الْحَائِطَ) أي: فلم يقسِمْه عليهم (وَلَمْ يَكْسِرْهُ) بفتح التحتيَّةِ أوَّله، وسكونِ الكافِ وكسرِ السين؛ أي: ولم يقطَعْ ثمرَ النَّخلِ (لَهُمْ) أي: للغُرَماء.
          قال في ((المصباح)): كسَرْتُه كَسْراً، من باب ضَرَبَ، فانكسَرَ، وكَسَّرْتُه تكسيراً فتكسَّرَ، وشاةٌ كَسِيرٌ، فَعيلٌ بمعنى: مفعول، إذا كُسِرَتْ إحدى قوائمِها، وكَسِيرةٌ بالهاءِ أيضاً مثلُ نَطيحة، والكِسْرةُ القِطعةُ من الشَّيءِ المكسور، ومنه الكِسْرةُ من الخُبزِ، والجمعُ كُسَرٌ، مثلُ سِدْرةٌ وسُدَر، انتهى.
          (قَالَ) أي: النَّبيُّ عليه السَّلام، ولأبي ذرٍّ: <وقال> (سَأَغْدُو عَلَيْكَ غَداً) وسقطَ لأبي ذرٍّ: <غداً> وقال: <عليكم> بالميم (فَغَدَا) بالغين المعجمة؛ أي: النَّبيُّ صلعم (عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَدَعَا فِي ثَمَرِهَا) بمثلَّثةٍ؛ أي: النَّخلِ أو الحائط، وأنَّثَه باعتبارِ أنَّه حديقة (بِالْبَرَكَةِ) أي: بعدَ أن طافَ عليها، كما مرَّ.
          (فَقَضَيْتُهُمْ) أي: حقوقَهم، وسيأتي قريباً أنه بقيَ الثمرُ كما هو، ومُطابَقةُ الحديثِ في ((فلم يُعطهِمِ)) إلى ((سأغدو عليك غداً)) فتأمَّل.