الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب أداء الديون

          ░3▒ (بابُ أَدَاءِ الدُّيُونِ) أي: وجوبِ أدائها، ولأبي ذرٍّ: <الدَّينِ> بالإفراد، كذا في القسطَلانيِّ، لكنْ في ((الفتح)) و((العمدة)) عزوُ الجمعِ لأبي ذرٍّ، فليُراجع.
          (وَقَولِ اللَّه تَعَالَى) بالجر، وفي بعض النُّسخ: <وقال اللهُ تعالى> وقال القسطلانيُّ: ولأبي ذرٍّ: <وقولِه تعالى> ({إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ}) أي: معشَرَ المكلَّفين ({أَنْ تُؤَدُّوا}) أي: تدفعوا ({الأَمَانَاتِ}) جمعُ أمانة، كالودائعِ والدُّيون({إِلَى أَهْلِهَا}) أي: مُستحقِّيها، وهذه الآيةُ عامَّةٌ في جميعِ ما يتعلَّقُ بالذِّمَّةِ وما لا يتعلَّقُ بها ({وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ}) أي: بأنْ ({تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}) أي: بينَهم ({إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا}) أي: نِعمَ شيئاً على أنَّ{ما} نكرةٌ منصوبةٌ على أنَّها تمييزٌ لفاعِلِ: {نِعمَ}.
          وجملة: ({يَعِظُكُمْ بِهِ}) صفتُها، أو التقديرُ: نِعمَ الشيءُّ الذي، على أنَّها موصولةٌ فاعلُ {نِعمَ}، والمخصوصُ بالمدحِ محذوفٌ؛ / نحو: هو؛ أي: المأمورُ به من أداءِ الأماناتِ والعَدْلِ في الحُكمِ، وقُرئَ: {نَعِمَّا} بفتح النون.
          ({إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً}) يسمَعُ سائرَ المسموعات ({بَصِيراً}) يُبصِرُ كلَّ المبصَرات، فلا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء، من غير احتياجٍ إلى آلةِ سَمعٍ وبصَرٍ، وقد ساقَ الآيةَ بكَمالِها سائرُ الرُّواةِ إلَّا أبا ذرٍّ، فإنَّه نقلَها إلى قولِه: {إِلَى أَهْلِهَا}.
          واختُلفَ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمة، فأكثرُهم على أنَّها نزلَتْ في شأنِ عثمانَ بنِ طَلحةَ الحَجَبيِّ؛ سادِنِ الكعبةِ، حينَ أخذَ عليٌّ ☺ المِفتاحَ يومَ الفتح، وقيل: نزلَتْ في الحُكَّامِ بين النَّاس، فقد روى ابنُ أبي شيبةَ من طريقِ طَلْقِ بنِ معاويةَ، قال: كان لي على رجلٍ دَينٌ، فخاصَمتُه إلى شُرَيحٍ، فقال له: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وأمرَ بحَبسِه.
          وفي الحديث: ((إنَّ اللهَ مع الحاكمِ ما لم يجُرْ، فإذا جارَ وكَلَه اللهُ إلى نفسِهِ)) قال ابنُ المنيِّر: أدخَلَ البخاريُّ الدَّينَ في الأمانةِ لثبوتِ الأمرِ بأدائه، فإنَّ المرادَ بالأمانةِ في الآيةِ هو المرادُ بها في آية: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب:72].
          وفُسِّرَتْ هناك بسائرِ الأوامرِ والنَّواهي، ويحتمِلُ أنَّ الأمانةَ على ظاهرِها، فإذا أمرَ اللهُ بأدائها، ومدَحَ فاعلَه، وهي لا تتعلَّقُ بالذِّمَّةِ فما يتعلَّقُ بها أَولى، ذكرَه في ((الفتح)).