الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب استقراض الإبل

          ░4▒ (باب اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ) أي: جوازُ استقراضِها، وفي حُكمِها غيرُها من الحيوانات، ولعلَّ المصنِّف أشار إلى الردِّ على مَن منعَ استقراضَها، وجوازُ ذلك مذهبُ الجمهور، منهم: مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ والثوريُّ والحسنُ بنُ صالح، ومنعَ من ذلك الحنفيَّةُ وإسحاقُ لحديث الباب ونحوِه استدلالاً بما رواه ابنُ حبَّان والدَّارقُطنيُّ وغيرُهما بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعاً من النَّهي عن بيعِ الحيوان بالحيوانِ نسيئةً، إلا أنَّ الحفَّاظَ رجَّحوا إرسالَه.
          وأخرجَه التِّرمذيُّ أيضاً من حديث الحسَنِ عن سَمُرةَ، وفي سماعهِ منه اختلاف، وادَّعى الطَّحاويُّ أنه ناسخٌ بحديث البابِ، وتُعقِّب بأن النَّسخَ لا يثبُتُ بالاحتمَالِ، والجمعُ بين الحديثَين ممكنٌ، فقد جمعَ بينهما الشَّافعيُّ وجماعةٌ بحمل النَّهي على ما إذا كان نسيئةً من الجانبَين، فيتعيَّنُ المصيرُ إليه؛ لأنَّ العملَ بالحديثَين أَولى من إلغاء أحدِهمَا، أشارَ إلى جميعِ ذلك في ((الفتح)) بزيادة أبحاثٍ أُخَرَ، فراجِعْه، ويُستثنى من جوازِ اقتراض الحيوان اقتراضُ جاريةٌ تحِلُّ للمستقرِضِ ولو غيرَ مُشتهاةٍ؛ لأنَّه عقدٌ جائزٌ، فللمُقرضِ الاستردادُ وإنْ أجَّلَه إلى أجلٍ؛ لأنَّه لا يلزمُ تأجيلُه، وربَّما يطؤها المقترِضُ فيُشبِهُ إعارةَ الجوارِ للوطء، ولا يجوزُ إقراضُ الأمَةِ للخُنثى؛ لاحتمَالِ أن يتَّضِحَ بالذكورةِ فيطأَها، وما في ((شرح مسلمٍ)) للنوويِّ من الجواز فتعقَّبَه / السُّبكيُّ في ذلك بما تقدَّم، وقال الأَذْرَعيُّ وغيرُه: الأشبهُ المنعُ.