الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا قاص أو جازفه في الدين تمرًا بتمر أو غيره

          ░9▒ (باب إِذَا قَاصَّ) بالقاف وتشديد الصَّادِ المهمَلة؛ أي: الـمدينُ الدَّائنَ، من المقاصَصةِ؛ وهي أنْ يُقاصَّ كلُّ واحدٍ من الـمَدينَينِ مثلاً صاحبَه (أَوْ جَازَفَهُ) بالجيمِ والزَّايِ والفاء، من المجازفَةِ، وسقطَ الهاءُ من بعض الأصُول؛ أي: أعطاه شيئاً جُزافاً بلا كيلٍ ولا وزن.
          (فِي الدَّيْنِ) تنازعَه الفِعلانِ، زاد أبوا ذرٍّ والوقتِ والأصيليُّ: <فهو جائزٌ>؛ أي: كلٌّ منهما (تَمْراً بتَمْرٍ أَوْ غَيرِهِ) بجرِّ ((غيره)) ونصبِهِ كبُرٍّ ببُرٍّ، وشعيرٍ بمثلِهِ، وأرُزٍّ كذلك، وأما نصبُ ((تمراً)) فإمَّا على الحالِ من الدَّين، أو على المفعولِ لأجلهِ.
          وقد اعترض المهلَّبُ على البخاريِّ بأنه لا يجوزُ عند أحدٍ من العلماءِ أن يأخُذَ مَنْ له دينُ تمرٍ من غريمِه تمراً مجازفةً عن دينه؛ لِـما فيه من الجهل والغرَر، وإنما يجوزُ أن يأخُذَ مجازفةً في حقِّهِ أقلَّ من دينِهِ إذا عَلِمَ الآخذُ ذلك ورضِيَ به، انتهى.
          وأُجيبَ: بأنَّ مُرادَ البخاريِّ بهذه التَّرجمة ما أثبتَه المعترضُ لا ما نفاه، وغرضُه بيانُ أنه يُغتفَرُ في القضاء من المعاوَضةِ ما لا يُغتفَرُ ابتداءً؛ لأنَّ بيعَ الرُّطَبِ بالتَّمر لا يجوزُ في غيرِ العرايا، ويجوزُ في المعاوَضةِ عند الوفَاءِ، وذلك بيِّنٌ في الحديثِ؛ فإنه عليه السَّلامُ سأل الغريمَ أن يأخُذَ تمرَ الحائط، فتأمَّل.