الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: لا يرد السلام في الصلاة

          ░15▒ (بَابٌ: لاَ يَرُدُّ): أي: المصلِّي (السَّلاَمَ): أي: باللَّفظِ على المسلم (فِي الصَّلاَةِ): متعلق بـ((لا يرد))، أو بمحذوفِ حال من فاعله فتبطلُ الصلاة بردِّه؛ لأنه خطابُ آدميٍّ.
          قال في ((الفتح)): واختلفَ فيما إذا ردَّهُ بلفظ الدعاء كأن يقول: اللهمَّ اجعل على من سلَّمَ عليَّ السلام، انتهى.
          وأقول: كلامُ أئمَّتنا يقتضِي أنه لا يضرُّ؛ لأنه دعاءٌ ولا خطابَ فيه لتبطل الصَّلاةُ به.
          وقال ابنُ بطَّال: أجمع العلماءُ على أن المصلِّي لا يردُّ السلام متكلِّماً، واختلفوا في الرَّدِّ بالإشارةِ فكرهتهُ طائفةٌ، وروي ذلك عن ابن عُمر وابن عبَّاس، وهو قول أبي حنيفة والشَّافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، واحتجَّ الطحَّاوي بقوله: فلم يردَّ علي، وقال: ((إن في الصَّلاةِ شُغلاً))، واختلفَ فيه قول مالك فمرَّةً كرههُ، ومرَّةً أجازهُ فقال: ليردَّ مشيراً بيدهِ أو برأسه.
          ورخَّصَتْ فيه طائفةٌ منهم: سعيد بن المسيَّب وقتادة والحسن، وفيه قولٌ ثالث، وهو أنه يردُّ إذا فرغ من الصلاة، ورويَ ذلك عن أبي ذرٍّ وأبي العالية وعطاء والنَّخعي.
          ثمَّ قال: وكذلك اختلفوا في السَّلام على المصلِّي، فكره ذلك قومٌ، ورويَ عن جابرٍ أنه قال: لو دخلتُ على قومٍ وهم يصلُّون ما سلمت عليهم، وكرههُ أيضاً عطاء والشَّعبي، ورواهُ ابنُ وهب عن مالك، وبه قال: إسحاق، ورخَّصتْ فيه طائفةٌ منهم: ابن عمر، وهو قول مالكٍ في ((المدونة)) قال: لا يُكره السَّلام على المصلِّي في فريضةٍ ولا نافلة، وفعلهُ أحمد بنُ حنبل، انتهى ملخَّصاً.