الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

          ░3▒ (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ فِي الصَّلاَةِ لِلرِّجَالِ): أي: إذا نابهم شيءٌ فيها كتنبيه الإمام على سهوه، وإنذار نحو أعمَى أن يقعَ في وهدة، وغير ذلك إذا قصدوا عند الشَّافعية بذلك الذِّكر فقط، أو الذكر والإعلام، وإلا فتبطلُ صلاتهم.
          وخرجَ بالرِّجال النساء؛ فإن المطلوبَ في حقهنَّ التَّصفيق كما يأتي، وإن جاز منهنَّ ذلك أيضاً.
          قال ابنُ / رشيد: قيَّده بالرِّجال؛ لأن ذلك لا يشرعُ عنده للنساء، وقد أشعرَ بذلك تبويبُه، ولا يقال: إن الرجالَ من باب اللَّقب؛ لأنا نقول: بل هو من باب الصِّفة؛ لأنه في معنى الذكور البالغين. انتهى ملخصاً.
          وذكر الحمد بعد التَّسبيح تنبيهاً على أنَّ الحمدَ يقوم مقام التَّسبيح؛ لأن الغرض: التنبيه على عروضِ أمر لا مجرَّد التَّسبيح والتَّحميد، قاله القسطلاني، ومرادُه: أن الحمدَ في الحديث يُفهم منه حكم التَّسبيح بالقياس عليه، فلذا ذكرهُ في الترجمة.
          وعبارةُ الكرمانيِّ أوضحُ وأخصرُ وأفيدُ؛ فإنه قال: فإن قلت: ذكر في الترجمة لفظ ((التسبيح))، والحديث لا يدلُّ عليه؟ قلتُ: علم من الحمد بالقياس عليه، أو من تمام الحديثِ المذكور في سائرِ المواضع. انتهى.
          ومثله في كلام ابن رشيد و((الفتح)).
          وقد اعترضَ العيني على الكرمانيِّ وابن رشيد و((الفتح)) وغيرهم فقال: منهم من لم يتعرض لوجهِ هذه الترجمة، ولا لوجهِ مناسبتِهَا للحديثِ كصاحبِ ((التوضيح)) و((التلويح)) وغيرهم، ومنهم من ذكر شيئاً لا يساوي سماعَه كالكرمانيِّ، وأطالَ إلى أن قال: وقال صاحبُ ((التوضيح)): في هذا الحديث: إن التَّسبيح جائز للرجال والنساء عندما ينزل بهم من حاجة، ألا ترى أن الناس أكثروا التَّصفيق لأبي بكر ليتأخَّر للنبي، وبهذا قال مالك والشَّافعي: أن من سبَّح في صلاتهِ لشيء ينوبه أو أشار إلى إنسان فإنه لا يقطعُ صلاته، وخالفَ أبو حنيفة، قلت: لا نسلِّم أن أبا حنيفة خالفَ؛ فإنه هو الذي خالفَ؛ لأن مذهبَ أبي حنيفة: إذا سبَّح أو حمدَ جواباً لإنسان فإنه يقطع؛ لأنه يكون كلاماً، وأما إذا وقعَ شيءٌ من ذلك بغير جوابٍ فلا يضرُّ. انتهى.
          وأقول: تأمله منصفاً فإن كان منه ابتداءً فلا يقطع. انتهى.