الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة

          ░11▒ (بَابٌ): بالتنوين (إِذَا انْفَلَتَتِ): مطاوع فلتَ الشيء؛ بمعنى: أطلقَه (الدَّابَّةُ فِي الصَّلاَةِ): حال من محذوف دلَّ عليه المقام والفعل؛ أي: إذا انفلتَتْ الدَّابَّة من صاحبها حال كونه في الصَّلاة، وجواب ((إذا)): محذوف؛ أي: ماذا يصنعُ؟ كذا قدَّروه، والأولى تقديرهُ بنحو: يدعُ الصلاة، كما يدلُّ عليه الأثر، فافهم.
          (وَقَالَ قَتَادَةُ): أي: ابن دِعامة (إِنْ أُخِذَ): بالبناء للمفعول (ثَوْبُهُ): أي: المصلي، ومثل الثوب: غيره من نحو متاعٍ أو نعلٍ أو دراهم أو دابة (يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلاَةَ): و((يتبعُ)) مرفوع أو مجزوم، لكون فعل / الشرط ماضياً وأوله مفتوح وثانيه ساكن ويجوز تشديده، ((ويدع)) أي: يتركُ، معطوف على ((يتبع)) أي: يقطعُ الصلاة.
          وفي معنى السَّارق: الغاصب ونحوه، وهذا الأثرُ المعلَّقُ وصله عبد الرَّزاق عن مَعمر عنه بمعناه، وزادَ: فيرى صبيًّا على بئرٍ فيتخوَّف أن يسقطَ فيها؟ قال: ينصرفُ له.
          وفي ((مصنف ابنِ أبي شيبة)): سُئِل الحسنُ عن رجلٍ صلى فأشفقَ أن تذهبَ دابَّتهُ؟ قال: ينصرفُ، قيل له: أفيتمُّ؟ قال: إذا ولَّى ظهرَه القبلةَ استأنفَ.
          قال ابنُ بطَّال: لا خلاف بين الفقهاءِ أن من أفلتت دابَّتهُ وهو في الصَّلاةِ يقطعُ الصلاة ويتبع الدابَّةَ، وقال مالكٌ في ((المختصر)): من خشيَ على دابَّتهِ الهلاك أو على صبيٍّ رآهُ في الموتِ فليقطعْ صلاته، وروى عنه ابن القاسم في إمامٍ انفلتت دابَّتهُ وخاف عليها، أو على صبيٍّ أو أعمى أن يقعَ في بئرٍ أو نارٍ، أو ذكر متاعاً يخاف أن يتلفَ فذاك عذرٌ يبيح له أن يستخلفَ ولا يفسد على من خلفه، انتهى.
          وأقول: لينظر نقله الاتِّفاق مع أنه قد اختلفت الشَّافعية في من أخذ مالهُ ولو نعلاً أو هربت دابته وهو في الصلاة، فقال جمعٌ منهم: يصلِّي صلاة شدَّةِ الخوف، وجرى عليه الرَّملي.
          وقال ابنُ حَجر المكِّي تبعاً لجمعٍ آخرين: ليس له ذلك بل يقطعُ الصَّلاة ويتبعه، ومثله المحرمُ الذي خاف فوتَ الحجِّ يقطعها، بل يترك صلاة أيام وجوباً إن خشيَ فوت عرفة، ويجوزُ له أيضاً عندنا صلاة شدَّةِ الخوف في كلِّ قتالٍ وهزيمة مبَاحين، وكذا في الهربِ من حريقٍ وسيل وسبع وحيَّةٍ، ومن غريمٍ عند الإعسار وخوف حبسه.
          هذا تحريرُ مذهب الشَّافعية لا ما أوهمهُ كلام القسطلَّاني: من أنه يصلِّي صلاة شدَّةِ الخوفِ عند جميعهم، فاعرفه.