نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم

          2240- (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) هو: ابنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ، وهو من أفراده، قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ) سُفيان، قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ / أَبِي الْمِنْهَالِ) عبد الرَّحمن بن مُطْعِمٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ) بالمثناة الفوقية، ويروى بالمثلثة (السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ) بالنصب على الظَّرفية.
          (فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ) أُخِذَ منه جوازُ السَلَمِ في الحيوان خلافاً للحنفيَّة، وسيأتي القول بجوازه عن الحَسَنِ بعد بابين [خ¦35/7-3509] (فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) وقد مرَّ الكلام في الحديث فيما مضى [خ¦2239]، وفيه زيادة وهي قوله: ((إلى أجل معلوم))، وهذا يدلُّ على أن السَّلَم الحال لا يجوز. وعند الشَّافعي: يجوز كالمؤجَّل فإن صرَّح بحلول أو تأجيل، فذاك وإن أطلق فوجهان، وقيل: قولان أصحهما عند الجمهور أنَّه يصح ويكون حالاً، والثَّاني لا ينعقد.
          ولو صرَّحا بالأجل في نفس العقد، ثمَّ أسقطاهُ في المجلس جاز وصار العقد حالاً، فقوله: إلى أجل من جملة شروط صحَّة السَّلَمِ، وهو حجَّة على الشَّافعي ومن معه في عدم اشتراط الأجل وهو مخالف للنَّص الصَّريح.
          وقال العَيْنِيُّ: والعجب من الكرْمَانِيِّ حيث يقول: ليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل لصحَّة السَّلَمِ الحالِّ؛ لأنَّه إذا جاز مؤجَّلاً مع الغَرر فجواز الحال أولى؛ لأنَّه أبعد من الغَرر، بل معناه: إن كان أجل فليكن معلوماً كما أنَّ الكيل ليس بشرط ولا الوزن، بل يجوز في الثِّياب بالزَّرع، وإنَّما ذكر الكيل والوزن بمعنى أنَّه إن أسلم في مكيلٍ أو مَوزون، فليكونا معلومين، انتهى.
          قال العَيْنِيُّ: هذا كلام مخالفٌ لقوله صلعم : ((إلى أجل معلوم))؛ لأنَّ معناه فلْيُسْلِمْ فيما جاز السَّلَم فيه إلى أجل معلوم، وهذا قيدٌ والقيد شرط، وكلامه هذا يؤدِّي إلى إلغاء ما قيَّده الشَّارع من الأجل المعلوم فكيف يقول: مع الغَرر ولا غرر هاهنا أصلاً؛ لأنَّ الأجل إذا كان معلوماً فمن أين يأتي الغَرر، والمذكور الأجل المعلوم، والمعلوم صفة الأجل، فكيف يشترط قيد الصِّفة ولا يُشترط قيد الموصوف.
          وقوله: كما أنَّ الكيل ليس بشرط ولا الوزن قلنا: معناه: أنَّ المُسْلَمَ فيه لا يُشترط أن يكون من المكيلات خاصَّة ولا الموزونات خاصَّة، كما ذهب إليه ابنُ حَزْمٍ بظاهرِ الحديث؛ يعني: لا ينحصرُ السَّلم فيهما، بل معناه: أنَّ المُسْلَمَ فيه إذا كان من المكيلات / لا بدَّ من إعلام قدرِ رأس المُسْلَمَ فيه، وذلك لا يكون إلَّا بالكيلِ في المكيلات، والوزنِ في الموزونات، وكون الكيلِ معلوماً شرط، وليس معناه أنَّ السَّلَم فيما لا يُكال غير صحيحٍ حتَّى يقال: بل يجوز في الثِّياب بالزَّرع، وفي الثِّياب أيضاً لا يجوز إلا إذا كان زرعها معلوماً، وصفتها معلومة وضبطها ممكناً.
          وقال الخَطَّابِيُّ: المقصود منه أن يخرجَ المُسْلَمُ فيه عن حدِّ الجهالةِ حتَّى إنْ أسلف فيما أصله الكيل بالوزن جاز؛ لأنَّه صار معلوم القدر، هذا وقد ذكر أنَّه لا يجوزُ في أحدِ الوجهين عند الشَّافعية، ولا ينبغي أن يُورد الكلام على الإطلاق.
          ثمَّ إنَّهم اختلفوا في حدِّ الأجل فقال ابنُ حَزْمٍ: الأجل ساعة فما فوقها، وعند بعضِ أصحابنا الحنفيَّة: لا يكون أقل من نصفِ يوم، وعند بعضِهم: لا يكون أقلَّ من ثلاثة أيَّام. وقالت المالكيَّة: يُكره أقل من يومين، وقال اللَّيث: خمسة عشر يوماً.
          -(حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو: ابنُ عبد الله المعروف بابنِ المَدِيْنِيِّ، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عُيَيْنَةَ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَقَالَ: فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) هذا طريق آخر في حديث ابن عبَّاس ☻ ، وفيه تنبيه أيضاً على اشتراطِ الأجل، كما فيما تقدَّم.