نجاح القاري لصحيح البخاري

باب صدقة الفطر على الحر والمملوك

          ░77▒ (باب) وجوب (صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ) وكأنَّه أراد بهذه التَّرجمة أنَّ الحرَّ والمملوك سيان في صدقة الفطر، لكن بينهما فرق من جهة الوجوب، فإنَّ الحر تجب على نفسه والمملوك تجب على سيِّده، لكن إذا كان للخدمة، وأمَّا إذا كان للتِّجارة فلا، خلافاً للشَّافعي.
          قال الشَّيخ زين الدِّين العراقي: إذا قلنا بقول الجمهور: إنَّ صدقة الفطر على سيِّد العبد لا على العبد، فهل تجب على السيِّد ابتداء أو تجب على العبد ويتحمَّلها السيِّد بالانتقال عنه.
          قال الرُّوْياني: ظاهر المذهب هو الأوَّل، قال في «الإمام»: وذكر طائفة من المحقِّقين أنَّ هذا الخلاف في فطرة الزَّوجة، فأمَّا فطرة العبد فتجب على السيِّد ابتداءً بلا خلاف، وتجب على السيِّد سواء كان العبد مرهوناً أو مستأجراً أو خائناً أو ضالاً أو مغصوباً أو آبقاً؛ لأنَّ ملكه لا ينقطع بذلك.
          وقال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمِّي عن عبده المسلم؛ لأنَّ الفطرة زكاة، ولا تجب على الكافر زكاة.
          وقال أبو ثور: تجب عليه إن كان له مال؛ لأنَّ العبد يملك عنده، وإن كان آبقاً أو مأسوراً أو مغصوباً مجحوداً لا تجب عنده. وعن أبي حنيفة ☼ : تجب في الآبق، وبه قال عطاء والثَّوري.
          وقال الزُّهري وأحمد وإسحاق: تجب إن كان في دار الإسلام. وفي المرهون إنْ فَضَلَ بعد الدين تجب على المشهور.
          وعن أبي يوسف: لا تجب حتَّى يفكه وإن هلك قبله فلا صدقة على الرَّاهن؛ بخلاف العبد المستغرق بالدَّين، والذي في رقبته جناية، ورقيق الفيء والغنيمة والسَّبي والأسر قبل القسمة لا فطرة فيهم. والعبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر تجب على الموصى له بالرقبة، دون الخدمة كالعبد المستعار.
          وقال ابن الماجشون: تجب على مالك الخدمة وتجب / عن عبيد العبيد، وبه قال الشَّافعي. وفي مُعْتِق البَعْض أقوال ستَّة:
          الأوَّل: لا شيء فيه، وهو قول أبي حنيفة.
          والثَّاني: تجب على المعتق إن كان له مال، وهو قولهما؛ لأنَّه حر عندهما.
          والثَّالث: يؤدِّي المالك نصف صدقة فطره، ولا شيء على العبد فيما عتق.
          والرَّابع: تجب عليهما صدقة كاملة إذا ملكا فضلاً عن قوتهما، قاله أبو ثور والشَّافعي.
          والخامس: يؤدِّي الذي يملك نصيبه صدقةً كاملة، وهو قول ابن الماجشون.
          والسَّادس: على سيِّده بقدر ما يملكه وفي ذمة المعتق بقدر حريَّته، فإن لم يكن له مال يزكي سيَّده كله.
          (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ) هو محمَّد بن مسلم بن شهاب (فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ) يجوز أن يكون حالاً، ويجوز أن يكون صفة؛ أي: في المملوكين المعدِّين للتِّجارة (يُزَكَّى للتِّجَارَةِ وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ) أي: يؤدِّي الزَّكاة في مماليك التِّجارة من جهتين، ففي رأس الحول تجب زكاة قيمتهم، وفي ليلة الفطر زكاة رقبتهم، وهذا قول الشَّافعية والمالكيَّة والحنبليَّة.
          وقال النَّخعي والثَّوري والحنفيَّة: لا يلزم السيِّد زكاة الفطر عن عبيد التِّجارة؛ لأنَّ عليه فيهم الزَّكاة، ولا تجب في مال واحد زكاتان.
          وهذا التَّعليق وصله ابن المنذر، وذكر بعضه أبو عبيد في كتاب «الأموال» وقال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، عن اللَّيث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: ليس على المملوك زكاة، ولا يزكِّي عنه سيِّده إلَّا زكاة الفطر.